الثَّوَاب فَإِنَّ النَّظَرَ إلَى اللَّهِ أَشْرَفُ مِنْ كُلِّ شَرِيفٍ وَأَفْضَلُ مِنْ كُلِّ نَعِيمٍ رُوحَانِيٍّ أَوْ جُسْمَانِيٍّ، وَقَدْ جُعِلَ زِيَادَةً عَلَى الْأُجُورِ، لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَابَلَ بِهِ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ حَالٌ مِنْ الْأَحْوَالِ.
وَكَذَلِكَ رِضْوَانُ اللَّهِ مِنْ أَفْضَلِ مَا أُعْطِيته وَلَا ثَوَابَ عَلَيْهِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: عُلُومٌ إلْهَامِيَّةٌ، يُكْشَفُ بِهَا عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، فَيَرَى أَحَدُهُمْ بِعَيْنَيْهِ مِنْ الْغَائِبَاتِ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِسَمَاعِ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ شَمُّهُ وَمَسُّهُ وَلَمْسُهُ وَكَذَلِكَ يُدْرِكُ بِقَلْبِهِ عُلُومًا مُتَعَلِّقَةً بِالْأَكْوَانِ، وَقَدْ رَأَى إبْرَاهِيمُ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْمَلَائِكَةَ وَالشَّيَاطِينَ وَالْبِلَادَ النَّائِيَةَ، بَلْ يَنْظُرُ إلَى مَا تَحْتَ الثَّرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى السَّمَوَاتِ وَأَفْلَاكَهَا وَكَوَاكِبَهَا وَشَمْسَهَا وَقَمَرَهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ وَيَقْرَأُ مَا فِيهِ.
وَكَذَلِكَ يَسْمَعُ أَحَدُهُمْ صَرِيرَ الْأَقْلَامِ وَأَصْوَاتَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجَانِّ، وَيَفْهَمُ أَحَدُهُمْ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، فَسُبْحَانَ مَنْ أَعَزَّهُمْ وَأَدْنَاهُمْ، وَأَذَلَّ آخَرِينَ وَأَقْصَاهُمْ، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] .
ِ إنْ قِيلَ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يُثَابُ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ؟ قُلْنَا: إنْ تَعَلَّمَا الْعِلْمَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ أَثِمَا مَا لَمْ يَتُوبَا، فَإِنْ أَفْتَى أَحَدُهُمَا وَحَكَمَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ كَانَا مَأْثُومَيْنِ أَيْضًا لِرِيَائِهِمَا، فَإِنْ أَفْتَى أَحَدُهُمَا وَحَكَمَ الْآخَرُ مُخْلِصَيْنِ لِلَّهِ أُثِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا فَعَلَهُ خَالِصًا لِلَّهِ، وَإِنْ تَعَلَّمَا مُخْلِصَيْنِ لِلَّهِ أُجِرَا عَلَى تَعَلُّمِهِمَا، فَإِنْ عَزَمَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِمَا أَمَرَا بِهِ فِي الْفُتْيَا وَالْحُكْمِ أُثِيبَا عَلَى عَزْمِهِمَا، فَإِنْ أَمْضَيَا مَا عَزَمَا عَلَيْهِ، أُثِيبَا عَلَى عَزْمِهِمَا وَفِعْلِهِمَا، وَإِنْ رَجَعَا عَمَّا عَزَمَا عَلَيْهِ، أُثِيبَا