الْمِثَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَبِلَ نِكَاحَهَا مِنْ الْحَاكِمِ بِإِذْنِهَا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَقِيبَ النِّكَاحِ وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْعَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَشْرِقِيِّ وَالْمَغْرِبِيَّةِ، إلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ عَلَى الزَّوْجِ وَفِيهِ إشْكَالٌ إذْ لَا يَجِبُ الْأَيْمَانُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَنْ يُقْطَعُ بِصِدْقِهِ.
ِ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَغَيْرِهِمَا وَلَهُ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا: التَّوْكِيلُ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَغَالِبُ نَقْدِ بَلَدِ الْبَيْعِ تَنْزِيلًا لِلْغَلَبَةِ مَنْزِلَةَ صَرِيحِ اللَّفْظِ، كَأَنَّهُ قَالَ لِلْوَكِيلِ بِعْ هَذَا بِثَمَنِ مِثْلِهِ مِنْ نَقْدِ هَذَا الْبَلَدِ إنْ كَانَ لَهُ نَقْدٌ وَاحِدٌ، أَوْ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ هَذَا الْبَلَدِ إنْ كَانَ لَهُ نُقُودٌ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ: بِعْ دَارِي هَذِهِ فَبَاعَهَا بِجَوْزَةٍ فَعِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ وَلَا دَاخِلٌ تَحْتَ لَفْظِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ جَارِيَةٍ تُسَاوِي أَلْفًا فَبَاعَهَا بِتَمْرَةٍ، فَإِنَّ الْعُقَلَاءَ يَقْطَعُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْدَرِجٍ فِي لَفْظِهِ لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِخِلَافِهِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: حَمْلُ الْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْكُفْءِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْأَفْهَامِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا قَالَ مَنْ هُوَ أَشْرَفُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَغْنَاهُمْ لِوَكِيلِهِ وَكَّلْتُك فِي تَزْوِيجِ ابْنَتَيْ، فَزَوَّجَهَا بِعَبْدٍ فَاسِقٍ مُشَوَّهِ الْخَلْقِ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَقْطَعُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ بِاللَّفْظِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ قَدْ صَارَ عِنْدَهُمْ مُقَيَّدًا بِالْكُفْءِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا طَارِئٌ عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ.