أَطْلَقَ الْعَامِّيُّ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى فِيهِ اُحْتُمِلَ أَنْ يُطْلِقَهُ شَاكًّا، وَاحْتُمِلَ أَنْ يُطْلِقَهُ جَازِمًا مُفَوِّضًا، فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ فِي وُجُوبِ اسْتِفْصَالِهِ عَنْ مُرَادِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَغْلَبَ عَلَى النَّاسِ هُوَ الْجَزْمُ، وَالشَّكُّ نَادِرٌ، فَإِنَّ تَعْلِيقَ التَّفْوِيضِ أَغْلَبُ مِنْ تَعْلِيقِ التَّرْدِيدِ.
ٌ أَحَدُهَا: إذَا ادَّعَى الْبَرُّ التَّقِيُّ الصَّدُوقُ الْمَوْثُوقُ بِعَدَالَتِهِ وَصِدْقِهِ عَلَى الْفَاجِرِ الْمَعْرُوفِ بِغَصْبِ الْأَمْوَالِ وَإِنْكَارِهَا أَنَّهُ غَصَبَهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ ظُهُورِ صِدْقِ الْمُدَّعِي وَبُعْدِ صِدْقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ ادَّعَى هَذَا الْفَاجِرُ عَلَى هَذَا التَّقِيِّ وَطَلَبَ يَمِينَهُ حَلَّفْنَاهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ كَذِبُهُ فِي دَعْوَاهُ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إذَا أَتَتْ الزَّوْجَةُ بِالْوَلَدِ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَأَخَّرُ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا لَحِقَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّنَا وَعَدَمُ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَالْإِكْرَاهِ، قُلْنَا وُقُوعُ الزِّنَا أَغْلَبُ مِنْ تَأَخُّرِ الْحَمْلِ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ إلَّا سَاعَةً وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ وَالْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ حَدُّ الزِّنَا فَإِنَّ الْحُدُودَ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، بِخِلَافِ إلْحَاقِ الْأَنْسَابِ فَإِنَّ فِيهِ مَفَاسِدَ عَظِيمَةً مِنْهَا جَرَيَانُ التَّوَارُثِ وَمِنْهَا نَظَرُ الْوَلَدِ إلَى مَحَارِمِ الزَّوْجِ، وَمِنْهَا إيجَابُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى، وَمِنْهَا الْإِنْكَاحُ وَالْحَضَانَةُ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُهُ مَعَ نُدْرَةِ الْوِلَادَةِ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ.