وَمِنْهَا تَخْفِيفُ التَّرْخِيصِ، كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ مَعَ الْحَدَثِ، وَصَلَاةِ الْمُسْتَجْمِرِ مَعَ فَضْلَةِ النَّجْوِ، وَكَأَكْلِ النَّجَاسَاتِ لِلْمُدَاوَاةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِلْغُصَّةِ، وَالتَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا بِالْإِطْلَاقِ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، أَوْ بِالْإِبَاحَةِ مَعَ قِيَامِ الْحَاظِرِ.
الْمَشَاقُّ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَشَقَّةٌ لَا تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا كَمَشَقَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي شِدَّةِ السَّبَرَاتِ وَكَمَشَقَّةِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا سِيَّمَا صَلَاةُ الْفَجْرِ، وَكَمَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَطُولِ النَّهَارِ، وَكَمَشَقَّةِ الْحَجِّ الَّتِي لَا انْفِكَاكَ عَنْهَا غَالِبًا، وَكَمَشَقَّةِ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْمَشَقَّةُ فِي رَجْمِ الزُّنَاةِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْجُنَاةِ، وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً عَظِيمَةً عَلَى مُقِيمِ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ بِمَا يَجِدُهُ مِنْ الرِّقَّةِ وَالْمَرْحَمَةِ بِهَا لِلسُّرَّاقِ وَالزُّنَاةِ وَالْجُنَاةِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَلِمِثْلِ هَذَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرَقَتْ لَقَطَعْت يَدَهَا» ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِتَحَمُّلِ هَذِهِ الْمَشَاقِّ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَصَفَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِأَنَّهُ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، فَهَذِهِ الْمَشَاقُّ كُلُّهَا لَا أَثَرَ لَهَا فِي إسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَلَا فِي تَخْفِيفِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَثَّرَتْ لَفَاتَتْ مَصَالِحُ