الشَّهَادَةِ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَلِكَ الْفُتْيَا عِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ عَنْ الْمُسْتَفْتِي. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سُئِلَ عَمَّا مَسَّتْهُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ بَادَرَ بِالْجَوَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ صَبَرَ حَتَّى يَنْزِلَ الْوَحْيُ بِجَوَابِ الْوَاقِعَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُفْتُونَ بَعْدَهُ إذَا سُئِلُوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ صَبَرُوا حَتَّى يَجْتَهِدُوا فِي حُكْمِ الْوَاقِعَةِ، فَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فَالِاجْتِهَادُ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَاجِبٌ وَكُلُّ وَاجِبٍ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ إذَا ضَاقَ وَقْتُهُ، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا فَفِي وُجُوبِ قَضَائِهَا عَلَى الْفَوْرِ خِلَافٌ لِأَنَّ وَقْتَهَا لَمَّا ضَاقَ صَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ أَفْسَدَ الْحَجَّ وَجَبَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَّا أَحْرَمَ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ هَلَّا وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ؟ قُلْنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْهُ ثَوَابُ الْآخِرَةِ وَهُوَ مُتَرَاخٍ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا دَفْعُ الْحَاجَاتِ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ عَلَى الْفَوْرِ.
وَأَمَّا مَا يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي فَكَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ وَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ، وَالْكَفَّارَاتِ.
وَأَمَّا مَا يَقْبَلُ التَّدَاخُلَ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا الْعُمْرَةُ تَدْخُلُ فِي الْحَجِّ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: فِي الْوُضُوءِ إذَا تَعَدَّدَ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: الْغُسْلُ إذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: سُجُودُ السَّهْوِ يَتَدَاخَلُ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ، وَلَا تَدَاخُلَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ غَرَامَةٌ مُتْلِفَةٌ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: الْحُدُودُ الْمُتَدَاخِلَةُ الْمُتَمَاثِلَةُ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ أَسْبَابِهَا حَدٌّ وَكَذَلِكَ الْعَدَدُ إذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ التَّدَاخُلَ كَالصَّلَوَاتِ، وَالزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ، وَدُيُونِ