نِيَّةِ التَّصَرُّفِ التَّقَرُّبَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، بِخِلَافِ نِيَّةِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الْقَصْدَ بِتَمْيِيزِهَا التَّقَرُّبُ إلَى الْمَعْبُودِ بِذَلِكَ الْمَقْصُودِ، وَكَذَلِكَ مَا تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ لَيْسَ الْغَرَضُ مِنْهَا إلَّا مُجَرَّدَ التَّمْيِيزِ دُونَ التَّقَرُّبِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أُثِيبَ نَاوِي الْقُرْبَةِ عَلَى مُجَرَّدِ نِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا يُثَابُ عَلَى أَكْثَرِ الْأَعْمَالِ إلَّا إذَا نَوَاهُ؟ فَالْجَوَابُ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ مُنْصَرِفَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَفْسِهَا، وَالْفِعْلُ الْمُرَدَّدُ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ إلَى اللَّهِ فَلِذَلِكَ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ.
فَإِذَا قِيلَ: لِمَ أُثِيبَ عَلَى النِّيَّةِ ثَوَابَ حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الْفِعْلُ أُثِيبَ بِعَشْرٍ مَعَ كَوْنِ النِّيَّةِ مُتَّصِلَةً إلَى اللَّهِ بِنَفْسِهَا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْفِعْلَ الْمَنْوِيَّ، بِهِ تَتَحَقَّقُ الْمَصَالِحُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَلِذَلِكَ كَانَ أَجْرُهُ أَعْظَمَ وَثَوَابُهُ أَوْفَرَ.
(فَائِدَةٌ) هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ إضَافَةَ النِّيَّةِ إلَى اللَّهِ أَوْ يَكْفِيهِ اسْتِلْزَامُهُ الْقُرْبَةَ لِلْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ.
(فَائِدَةٌ) الَّذِي يُنْوَى مِنْ الْعِبَادَاتِ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا هُوَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ فَيُوَجِّهُ النِّيَّةَ إلَى التَّقَرُّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا لَا يَكُونُ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ كَالتَّيَمُّمِ فَهَذَا يَنْوِي بِهِ اسْتِبَاحَةَ مَا يُحَرِّمُهُ الْحَدَثُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يُشْرَعَ تَحْدِيدُهُ، وَإِنْ نَوَى أَدَاءَ التَّيَمُّمِ أَوْ فَرِيضَةَ التَّيَمُّمِ فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ
وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.