- رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جَهْلًا بِالْمَوْصُوفَاتِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي عِبَارَاتٍ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ وَاحِدٌ، وَقَدْ مَثَّلَ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْ كَتَبَ إلَى عَبِيدِهِ يَأْمُرُهُمْ بِأَشْيَاءَ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَاخْتَلَفُوا فِي صِفَاتِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ سَيِّدُهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَقَالَ آخَرُونَ أَزْرَقُ الْعَيْنَيْنِ، وَقَالَ: بَعْضُهُمْ هُوَ أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رَبْعَةٌ، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هُوَ طِوَالٌ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي لَوْنِهِ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ أَوْ أَسْمَرَ أَوْ أَحْمَرَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي صِفَتِهِ اخْتِلَافٌ فِي كَوْنِهِ سَيِّدَهُمْ الْمُسْتَحِقَّ لِطَاعَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ اخْتِلَافُ الْمُسْلِمِينَ فِي صِفَاتِ الْإِلَهِ اخْتِلَافًا فِي كَوْنِهِ خَالِقَهُمْ وَسَيِّدَهُمْ الْمُسْتَحِقَّ لِطَاعَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ قَوْمٌ فِي صِفَاتِ أَبِيهِمْ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ أَصْلُهُمْ الَّذِي خُلِقُوا مِنْ مَائِهِ وَلَا يَكُونُ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَوْصَافِهِ اخْتِلَافًا فِي كَوْنِهِمْ نَشَئُوا عَنْهُ وَخُلِقُوا مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ فِي جِهَةٍ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا؟ قُلْنَا: لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، لِأَنَّ الْمُجَسِّمَةَ جَازِمُونَ بِأَنَّهُ فِي جِهَةٍ وَجَازِمُونَ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى مَذْهَبِ مَنْ يُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا مِنْ قَوْلِهِ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَاتِ كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ وَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ.
وَفِي الْأَحْوَالِ كَالْعَالَمِيَّةِ وَالْقَادِرِيَّةِ وَفِي تَعَدُّدِ الْكَلَامِ وَاتِّحَادِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُكَفِّرْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى كَوْنِهِ حَيًّا قَادِرًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا، فَاتَّفَقُوا عَلَى كَمَالِهِ بِذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ.
(فَائِدَةٌ) اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِكُلِّ كَمَالٍ، بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ