فصل: اعلم أن العادة غير موجبه شيئا بنفسها بحال وإنما هى قرينه للواجبات أو منبئة عن المقاصد فيها.

كالغسل فإن الله تعالى قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ..} [المائدة: 6] وكانت العادة جارية بأن يكون الغسل بالماء صرف الأمر إلى ذلك وحمل عليه وإن لم يجر له ذكر لأن العادة جرت بذلك ألا ترى أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب" 2 ذكر الغسل وكانت دلالته أنه بالماء لما جرت به العادة ولما كانت الثامنة أو السابعة بالتراب احيتج إلى ذكره لأن العادة في ذلك مفقودة فلم يكن بد من النص عليه وكذلك إذا قال: بعتك هذا الثوب بدرهم كان الدرهم مستحقا على عادة نقد البلد وإن كانت الدراهصم مختلفة السك والجوهر متفاوته في الجودة والرداءة وقد يعتبر بعض العادات في الأيمان يرجع إليها فة مطلق الأيمان ولهذا قال الشافعى رحمة الله عليه: فمن حلف لا يأكل الرءوس فأل رءوس الحيتان لا يحنث3 لأن عادة المتكلمين بهذا الكلام قد جرت أنه يريد بهذا الرءوس التي تبان من أجساد الحيوان وتقصد بالأكل دون ما كان منها تبعا لأبدانها ولا يكاد القائل يقول أكلت الرءوس وهو يريد رءوس الحيتان وإنما يقال هذا ويراد به رءوس الغنم وما يشبهها من الحيوان ومن هذا الباب أن يوصى الإنسان بدابة من روابه فيعطى بعض أجناس الدواب التي جرت العادة بركوبها ويعتبر في ذلك عادة أهل البلد الذي فيه الحالف ولغتهم في التسمية وقد قيل: إنه يدخل في هذا الباب ما يعطيه الإنسان خادم الحمام والشارب للماء عند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015