أمتي على الحق لا يضرهم في من خذلهم حتى يأتي أمر الله عز وجل" 1.
وقد قيل أنه إذا لم يبلغ عدد المجمعين عددا يقع العلم بصدقهم ضرورة يجب اتباعهم على قولهم فإن لم يقطع بأن الحق في إجماعهم كما يلزم العمل بالاجتهاد وأن لم يقطع بأن الحق فيه ذهب أكثر العلماء إلى أن إجماع كل عصر حجة وذهب أهل الظاهر إلى أن إجماع الصحابة هو الحجة دون إجماع أهل سائر الأعصار2 وذهبوا في ذلك إلى أن الإجماع إنما صار حجة بالسمع دون غيره والأدلة السمعية اختصت بالصحابة رضي الله عنهم دون غيرهم ولك الأدلة قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143] وهذا خطاب مواجهة فيتناول الحاضرين دون غيرهم ولنا قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على الضلالة" 3 فلا يمنع أن يكون الله عز وجل عنى الصحابة بالخطاب وحده ليميزهم بهذه الكرامة عن غيرهم والرسول صلى الله عليه وسلم أيضا عنى الصحابة رضي الله عنهم على الانفراد لتكون هذه المنحة لهم وهذا لأن الخطاب صالح أن يتناول الصحابة على الانفراد ولا يصلح أن يتناول التابعين على الانفراد بل إنما يصلح تناولهم مع من تقدمهم لأنهم الذين كانوا موجودين زمان الخطاب وأما التابعون فلم يكونوا موجودين زمان الخاطب فتبين أن الأصل في هذا هم الصحابة دون من بعدهم فيكون إجماعهم حجة دون من بعدهم.
قالوا: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" 4 وإنما حكم بالاهتداء بالاقتداء بالصحابة دل أن غيرهم لا يكون بمثابتهم ولأن الصحابة رضوان الله عليهم قد اختصوا بمشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم والحضور عند الوحي وكان ذلك مزية لهم لا توجد لمن بعدهم.