...
فصل أما الكلام فيما ينعقد عنه الإجماع من الأدلة.
أعلم أن الإجماع لا ينعقد إلا عن دليل يوجب ذلك2 لأن اختلاف الآراء أو الهمم يمنع من الاتفاق على شيء إلا عن سبب يوجب ذلك وهذا مثل اتفاق الناس على أكلهم عند الجوع وشربهم عند العطش ولبسهم عند العرى كان عن سبب وهذه أمور طبيعية كانت عن سبب طبيعي وكذلك الأمور الدينية لا تكون إلا عن سبب ديني وذلك مثل اتفاقهم على المعتقد الديني واتفاقهم على صلاة الجمعة وصلاة العيدين وعلى فعل الصلوات الخمس وصوم رمضان فإنه لا يكون ذلك إلا عن سبب ديني قادهم إليه ويجوز أن يتفقوا عن دليل على حكم الحادثة وتكون على الحكم دلائل سواه ويجوز أن يختلفوا في الأدلة مع إتفاقهم على الحكم فلا يكون اختلافهم في الأدلة مانعا من إجماعهم على الحكم وقد أجاز قوم انعقاد الإجماع عن توفيق من الله تعالى من غير دليل شرعي دلهم على ذلك.
وذلك بأن يوفقهم الله تعالى للصواب من غير أن يكون لهم عليه دلالة وأمارة وهذا ليس بصحيح لأنه لو جاز لجماعة الأمة أن يقولوا من غير دليل لكان يجوز لكل واحد منهم أن يقول من غير دليل وحين لم يجز لآحادهم كذلك لا يجوز لجماعتهم ولأن الدليل هو الموصل إلى الحق فإذا فقد الدليل.