تريد يا رسول الله؛ والذي نفسي بيده؛ لو أمرتنا أن نخيضها البحر .. لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب بأكبادها إلى برك الغماد (?) .. لفعلنا، فسر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقوله ونشّطه، ثم قال: «سيروا على بركة الله تعالى وأبشروا؛ فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، والله؛ لكأني انظر الآن إلى مصارع القوم» (?).
ولما نزل صلّى الله عليه وسلم ببدر .. كان بالعدوة الدنيا؛ وهي: شفير الوادي الأدنى إلى المدينة، وكان المشركون بالعدوة القصوى؛ وهي: شفير الوادي الأقصى من المدينة، وكان الركب-وهو عير أبي سفيان حينئذ-أسفل منهم إلى ساحل البحر على ثلاثة أميال من بدر، ولا علم عند أحد منهم بالآخر، وقد حجب الوادي بينهم، فوردت عليه روايا قريش (?) وفيهم غلام أسود لبني الحجاج، فأخذه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فسألوه عن أبي سفيان وأصحابه، فقال: لا علم لي بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف في الناس، فإذا قال ذلك .. ضربوه، فإذا أوجعه الضرب ..
قال: أنا أخبركم: هذا أبو سفيان، فإذا تركوه وسألوه .. قال: مالي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال هذا ضربوه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم قائم يصلي، فلما رأى ذلك .. انصرف وقال: «والذي نفسي بيده؛ لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم» (?)، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» (?).
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين نزل بدرا .. نزل على أدنى ماء إلى العدو، وترك المياه كلها خلفه بمشورة الحباب بن المنذر، وبني له عريش يستظل فيه بمشورة