يغدون كل غداة إلى الحرّة ينتظرون حتى يردّهم حرّ الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما طال انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم .. أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه مبيّضين يزول بهم السّراب (?)، فلم يملك اليهودي أن قال: يا معشر العرب؛ هذا جدّكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقّوا النبي صلّى الله عليه وسلم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات اليمين، حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين في شهر ربيع الأول (?)، وقيل: لثنتي عشرة منه، وقيل: لثمان.

وقيل: كان نزوله بقباء على كلثوم بن الهدم، وقيل: على سعد بن خيثمة، فمكث صلّى الله عليه وسلم بقباء أربع عشرة ليلة، أسس فيه المسجد الذي أسّس على التقوى، وهو أول مسجد بني في الإسلام، وصلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكان مربدا لكلثوم بن الهدم (?)، وهو الذي ذكره الله في كتابه العزيز: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (?)، وكان صلّى الله عليه وسلم يأتيه كل اثنين وخميس راكبا وماشيا، وورد في فضله أحاديث كثيرة (?).

ثم سار صلّى الله عليه وسلم من قباء يوم الخميس-وقيل: يوم الجمعة-فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلاها في بطن وادي رانوناء (?)، فكانت أول صلاة جمعة صلاها بالمدينة.

قال حافظ اليمن يحيى العامري: (واتخذ موضع مصلاه مسجدا، ويسمى: مسجد الجمعة، وهو مسجد عتبان بن مالك الذي شكى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه يحول بينه وبين السيل، وكان صلّى الله عليه وسلم لما ركب من قباء كلما مرّ على دور من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015