وفي رجله نعل خشب مربع، فأقام مدة في دار ابن طاهر، ثم خرج في يوم جمعة إلى المسجد الجامع، وأخذ في أن يتصدّق عليه، فرآه ابن أبي موسى الهاشمي، فمنعه من ذلك وأعطاه خمس مائة درهم، ورده إلى داره.
وتوفي سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة.
أبو نصر محمد بن محمد التركي الفارابي الحكيم المشهور، صاحب التصانيف في المنطق والموسيقى وغيرهما من العلوم، وهو أكبر فلاسفة الإسلام، لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه، وناهيك أن رئيسهم أبا علي بن سينا بكتبه تخرج، وبكلامه انتفع.
خرج أبو نصر المذكور من بلده، ولم تزل تنتقل به الأسفار إلى أن وصل بغداد، وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات غير العربي، فتعلم اللسان العربي وأتقنه، ثم اشتغل بعلوم الحكمة، وكان ببغداد الحكيم المشهور [أبو بشر] متى بن يونس، وهو شيخ كبير يعلم الناس فنّ المنطق، ويملي على تلامذته شرحه، وكان أبو بشر في تواليفه حسن العبارة، لطيف الإشارة، وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذييل، حتى قال بعض علماء هذا الفن: ما أرى أن أبا نصر الفارابي أخذ طريق تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلا من أبي بشر، يعني شيخه المذكور، وكان أبو نصر يحضر حلقة أبي بشر من جملة تلامذته.
ثم ارتحل إلى حران، وبها الحكيم ابن خيلان النصراني (?) -بخاء معجمة، ثم مثناة من تحت-فأخذ عنه طرفا من المنطق، ثم قفل راجعا إلى بغداد، وقرأ بها علوم الفلسفة، وتناول جميع كتب أرسطاطاليس، ومهر في استخراج معانيها والوقوف على أغراضه فيها.
قال أبو القاسم بن صاعد القرطبي في كتاب «طبقات الحكماء» كما نقله عنه ابن خلكان: (أربى في التحقيق على جميع علماء الفلسفة الإسلاميين، وشرح غامضها،