قلائد العقيان (صفحة 232)

للمحلق، ولا حسان لأهل جلق، وإن تصرف في فنون الأوصاف، فهو فيها كفارس خصاف، وكان في شبيبته مخلوع الرسن، في ميدان مجونه، كثير الوسن، بين صفا الانتهاك وحجونه، لا يبالي بمن التبس، ولا أي نار اقتبس، إلا أنه قد نسك اليوم نسك ابن أذينة، وغض عن إرسال نظرة في أعقاب الهوى عينه، وقد أثبت له ما يقف عليه اللواء، وتصرف غليه الأهواء، أخبرني إنه لما أقلع عن صبوته، وطلع ثنيه سلوته، والكهولة قد حنكته، وأسلكته من طرق الأرعواء حيث اسلكته، نام فرأى أنه مستيقظ وجعل يفكر فيما مضى من شبابه، وفي من ذهب من أحبابه، ويبكي على أيام لهوه، وأوان غفلته وسهوه، ويتوجع لسالف ذلك الزمان، ويتبع الذكر دمعاً كواهي الجمان، ثم استيقظ وهو يقول، [وافر]

ألا ساجل دموعي يا غمامُ ... وطارحني بشجوك يا جامُ

فقد وفيتها ستين حولاً ... ونادتني ورائي هل أمامُ

وكنت ومن لبانات لبيني ... هناك ومن مواضعي المدامُ

يطالعنا الصباح ببطن حزوى ... فينكرنا ويعرفنا الظلامُ

وكان لي البشام مراح أنس ... فماذا بعدنا فعل البشامُ

فانتزح الشباب إلا لقاء ... يُبل به على برح أوام

ويا ظل الشباب وكنت تندي ... على إقياء سرحتك السلام

وأخبرني أنه لقي عبد الجليل الشاعر بين لورقة والمرية والعدو يلبط لا يريم يفرع تلك الربى، ولا يزال يروع حتى مهب الصبا، فباتا ليلتهما بلورقة يتعاطيان أحاديث حلوة المساق، ويواليان أناشد بديعة الاتساق، إلى أن طلع لهم الصباح أو كاد، وخوفهم تلك الأنكاد، فقام الناس إلى رحالهم فشدوها، وافتقدوا أسلحتهم فاعدوها، وساروا يطيرون وجلا، وأن رأوا غير شيء ظنوه رجلا، فمال إليه عبد الجليل وفؤاده يطير، وهو كالطايا في اليوم العاصف المطير، فجعل، يؤمنه فلا يسكن فرقه، ويرنسه فيتنفس الصعدا نثيرهر حرقه، فأخذ في أساليب من القريض يسليه بأشغاله بها، وإيغاله في شعبها، فأحيل على تذييل وإجازة، واختبل حتى لم يدر حقيقة النظم ولا مجازة، إلى أن أمراً بمشهدين عليهما راسان باديان، وكأنهما بالتحذير لهما مناديان، فقال أبو إسحق مؤتجلاً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015