بدمشق، ودفن بجبل قاسيون بتربة القاضي ركن الدين، وذلك في سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
سمع الحديث على أبي عبد الله محمد بن عبيد الله الحجري، وأبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون، وأبي الحسين يحيي بن الضائع السَّبتي، ومحمد بن قاسم بن عبد الكريم ... ، وجماعة سواهم. وكان أهله أجنادًا في خدمة المستولين على البلاد، وبقي مدّة جنديًا، ثم رجع عن الجندّية في سنة ثمانين وخمسمائة.
وحدثني من لفظه، قال: كان سبب انتقالي عن الجندية، وبنذي لها وسلوكي هذه الطريقة، وميلي إليها، أنني خرجت صحبة مخدومي الأمير أبي بكر يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ بقرطبة، قاصدين المسجد الجامع، فنظرته في ركوع وسجود وخشوع، كثير الابتهال إلى الله – عز وجل – فخطر لي خاطر، أن قلت في نفسي: إذا كان هذا ملك البلاد خاضعًا /140 أ/ متذللاً، يضع هذا بين يدي الله تعالى – عز وجل – فما الدنيا بشيء، ففارقته من ذلك اليوم، وما عدت رأيته أبدًا؛ ثم لزمت هذه الطريقة.
وهو رجل له قدم في الرياضة والمجاهدة، وكلام على لسان أهل التصُّوف، موصوف بالتقدّم والمكانة عند جماعة من أهل هذا الشأن، وله أصحاب مريدون وتلامذة، وصنّف تصانيف كثرة، وتواليف جمًّة، سكن بلاد الروم؛ ملطية، وقونية، وطاف البلاد، ودخل بغداد، ثم سكن بأخرةٍ دمشق. وله كلام حسن في الحقيقة يأتيه من غير اشتغال بالعلم.
وقد رزقه الله تعالى خاطرًا متوقدًا، فانثال عليه هذا الكلام إنثيالاً، ووفق في إستنباطه توفيقًا عجيبًا، ما حير العقول عند سماعه، وسلب القلوب في إيراده.
شاهدته بمحروسة حلب، في يوم الأربعاء سادس ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وستمائة؛ شيخًا يخضّب، وقرأت عليه جميع ما تضمنته هذه الأوراق وأنشدنيها؛ فمن شعره على طريق العارفين: [من الطويل]
ألا يا حمامات الأراكة والبان ... ترفّقن لا تندبن بالنَّوح أشجاني