ثمَّ هَذَا الَّذِي قلدته قد خَالفه غَيره من أهل الْعلم، وَقَالَ بِخِلَاف مَا يَقُول، فَأخْبرنَا بِمَ عرفت أَن صَاحبك المحق دون الْمُخَالف لَهُ؟ فَإنَّك تقر على نَفسك بأنك لَا تعرف مَا هُوَ الْحق، وَلَا من المحق من أهل الْعلم، وَغَيْرك من المقلدين يعْتَقد مثل اعتقادك فِيمَن قَلّدهُ فَمن المحق مِنْكُمَا؟ . وَمن الْمُصِيب للحق من إماميكما؟ .
إِن قلتما: لَا نَدْرِي فَمَا بالكما تقيمان أنفسكما مقَام المستدلين بحجج الله وأنتما لَا تعرفانها وَلَا تعقلانها بإقراركما على أنفسكما؟ .
وَإِن قلتما قد عقلتما الْحجَّة على جَوَاز التَّقْلِيد فقد فتح الله لَكمَا خوخة من هَذِه العماية، وَيسر لَكمَا طَرِيقا إِلَى الرشاد فَأَقْبَلَا إِلَيْنَا نعرفكما مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ من التَّمَسُّك بالتقليد فِي الدّين دين الله وَالْعَمَل بِالرَّأْيِ الفايل الْمُخَالف للأدلة الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهُ إِن صَحَّ لَكمَا مَا زعمتماه لَا تخالفان فِي أَن الْكتاب وَالسّنة مؤثران على ذَلِك الرَّأْي الَّذِي قلدتما غيركما فِيهِ. وَحِينَئِذٍ قد نجح الدَّوَاء وَقرب الْبُرْء من ذَلِك الْمَرَض الَّذِي أصابكما، وَأَيْضًا نقُول لهَذَا الْمُقَلّد الْمِسْكِين نَحن نعلم، وَتعلم أَنْت إِن بَقِي لَك شَيْء من الْعقل وَنصِيب من الْفَهم أَن عُلَمَاء الْمُسلمين من الصَّحَابَة، وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ وَمن المعاصرين لمن قلدته وَمن بعدهمْ من أَئِمَّة الْعلم أَن التجويز فيهم من التَّرَدُّد فِيمَا جَاءُوا بِهِ، واختاروه لأَنْفُسِهِمْ مثل التجويز مِنْك فِي إمامك. وَهَذَا شَيْء يعرفهُ عقلاء الْمُسلمين.