لَا يفتون إِلَّا بِمَا صَحَّ من النُّصُوص، وَقد يتورعون عَن الْفتيا مَعَ وجود النَّص كَمَا هُوَ مَنْقُول عَن غالبهم فِي كتب الحَدِيث، والتاريخ.
ويغني الْحَرِيص على دينه قَول الله سُبْحَانَهُ: {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ} .
فقرن التقول على الله بِمَا لم يقل، بالفواحش، وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق، والشرك بِاللَّه، وَهَذَا زَجْرٌ لمن نصب نَفسه للإفتاء أَو الْقَضَاء، وَهُوَ غير عَالم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله، تقشعر لَهُ الْجُلُود وترجف مِنْهُ الأفئدة.
وَهُوَ يَعُمُّ التَّقَوُّلَ على الله سُبْحَانَهُ بِلَا علم سَوَاء كَانَ فِي أَسْمَائِهِ أَو صِفَاته أَو أَفعاله، أَو فِي دينه وشرعه.
وَقَالَ الله سُبْحَانَهُ: {وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام لتفتروا على الله الْكَذِب إِن الَّذين يفترون على الله الْكَذِب لَا يفلحون مَتَاع قَلِيل وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} . فنهاهم الله سُبْحَانَهُ عَن الْكَذِب عَلَيْهِ فِي أَحْكَامه، وَقَوْلهمْ لما لم يحرمه: هَذَا حرَام وَلما لم يحله هَذَا حَلَال. وَبَين لَهُم أَنه لَا يجوز للْعَبد أَن يَقُول هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام إِلَّا إِذا علم بِأَن الله سُبْحَانَهُ أحله، وَحرمه، وَإِلَّا كَانَ مقتولا على الله بِمَا لم يقل.
وَمَعْلُوم أَن الْمُسْتَدلّ بِمُجَرَّد مَحْض الرَّأْي لَا يعلم بِمَا أحله الله وَحرمه. فَإِن