إِن [كَانَ] ذَلِك كُله لَا فَائِدَة فِيهِ للْعَبد، وَأَنه لَا ينَال إِلَّا مَا قد سبق بِهِ الْقَضَاء فعل الدُّعَاء، أَو لم يفعل، فقد نسبوا إِلَى الرب عز وَجل مَا لَا يجوز عَلَيْهِ وَلَا تحل نسبته إِلَيْهِ بِإِجْمَاع الْمُسلمين، فَإِنَّهُ عز وَجل لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا فِيهِ فَائِدَة للْعَبد دنيوية أَو أخروية إِمَّا جلب نفع أَو دفع ضرّ.
هَذَا مَعْلُوم لَا يشك فِيهِ إِلَّا من لَا يعقل حجج الله، وَلَا يفهم كَلَامه وَلَا يدْرِي بِخَير وَلَا شَرّ، وَلَا نفع وَلَا ضرّ. وَمن بلغ فِي الْجَهْل إِلَى هَذِه الْغَايَة فَهُوَ حقيق بِأَن لَا يُخَاطب، وقمين بِأَن لَا يناظر، فَإِن هَذَا الْمِسْكِين المتخبط فِي جَهله المتقلب فِي ضَلَالَة قد وَقع فِيمَا هُوَ أعظم خطرا من هَذَا أَو أَكثر ضَرَرا مِنْهُ.
وَذَلِكَ بِأَن يُقَال لَهُ: إِذا كَانَ دُعَاء الْكفَّار إِلَى الْإِسْلَام، ومقاتلتهم على الْكفْر وعزوهم إِلَى عقر الديار، كَمَا فعله رسل الله وَنزلت بِهِ كتبه، لَا يَأْتِي بفائدة، وَلَا يعود على القائمين بِهِ من الرُّسُل وأتباعهم، وَسَائِر الْمُجَاهدين بعائدة، وَأَنه لَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا مَا قد سبق بِهِ الْقَضَاء، وجف بِهِ الْقَلَم، وَأَنه لَا بُد أَن يدْخل فِي الْإِسْلَام، ويهتدي إِلَى الدّين من علم الله فِي سَابق علمه أَنه يَقع مِنْهُ ذَلِك سَوَاء قوتل أم لم يُقَاتل، وَسَوَاء دعى أم لم يدع، كَانَ هَذَا الْقِتَال والتكليف الشاق ضائعاً، لِأَنَّهُ من تَحْصِيل الْحَاصِل، وتكوين مَا هُوَ كَائِن فعلوا أَو تركُوا. وَحِينَئِذٍ يكون الْأَمر بذلك عَبَثا، تَعَالَى الله عَن ذَلِك.
وَهَكَذَا مَا شَرعه الله لِعِبَادِهِ من الشَّرَائِع على لِسَان أنبيائه، وَأنزل بِهِ كتبه يُقَال فِيهِ مثل هَذَا. فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مَا فِي سَابق علمه كَائِنا لَا محَالة، سَوَاء أنزل كتبه، وَبعث رسله أم لم ينزل وَلَا بعث، كَانَ ذَلِك من تَحْصِيل الْحَاصِل فَيكون عَبَثا، تَعَالَى الله عَن ذَلِك.