قلت: ستعرف مَا لدي فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله لَكِن لَا بُد هَاهُنَا من تَقْدِيم مُقَدّمَة يَتَّضِح بهَا الْكَلَام، ويتبين بهَا الصَّوَاب، فافهمها حق فهمها وتدبرها حق تدبرها.
اعْلَم أَن كثيرا من أهل الْعلم لما نظرُوا فِي آيَات وَأَحَادِيث تدل على أَن مَا قد سبق بِهِ الْقَضَاء لَا يتَحَوَّل، وَأَنه لَيْسَ فِي هَذِه الدَّار إِلَّا مَا قد فرغ مِنْهُ من قَلِيل وَكثير وجليل ودقيق مُحَافظَة على مَا ورد مِمَّا يدل على ذَلِك، ووقوفا عِنْد قَوَاعِد مقررة قد تقررت عِنْد أهل الْكَلَام حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ إِنَّه لَو وَقع غير مَا سبق بِهِ الْقَلَم وَفصل بِهِ الْقَضَاء للَزِمَ لَازم بَاطِل، وَهُوَ انقلاب الْعلم جهلا، لتخلف مَا قد حق بِهِ الْقَضَاء.
فقصروا أنظارهم على هَذَا الْإِلْزَام وغفلوا عَن لُزُوم مَا هُوَ أَشد مِنْهُ، وَهُوَ أَن الرب الْقَادِر الْقوي الْمُتَصَرف فِي عالمه بِمَا يَشَاء، وَكَيف يَشَاء لم يبْق لَهُ عز وَجل إِلَّا مَا قد سبق بِهِ قَضَاؤُهُ، وَلَا يتَمَكَّن من تَغْيِيره وَلَا من نَقله إِلَى قَضَاء آخر. وَهَذَا تَقْصِير عَظِيم بالجناب الْعلي عز وَجل وَتَعَالَى وتقدس. وَهُوَ يسْتَلْزم إهمال كثير من الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة من الْكتاب وَالسّنة.
فَمِنْهَا إهمال مَا أرشدنا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ من التضرع إِلَيْهِ وَالدُّعَاء لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ للداعي إِلَّا مَا قد جف بِهِ الْقَلَم دَعَا أَو لم يدع. وَهَذِه مقَالَة تبطل بهَا فَائِدَة الدُّعَاء الَّذِي أرشدنا سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ فِي كِتَابه الْعَزِيز. وَقَالَ: " ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم "،