سُبْحَانَهُ الْمُعْطِي بِغَيْر حِسَاب المتفضل على عباده بِكُل جميل وغالب مَا يصل إِلَى الْعباد الَّذين لم تكن لَهُم مرتبَة الْولَايَة الْعُظْمَى بل الَّذين هم دونهَا بمراحل، بل الَّذين خلطوا على أنفسهم وَقصرُوا فِيمَا يجب عَلَيْهِم هُوَ من تفضلاته الجمة وتكرماته الفائضة من غير تقدم سُؤال.
قلت: هَاهُنَا نُكْتَة عَظِيمَة وَفَائِدَة جليلة. وَهِي أَنهم إِذا أُعطوا بعد السُّؤَال وأُعيذوا بعد الِاسْتِعَاذَة عرفُوا أَن الله سُبْحَانَهُ قد أجَاب لَهُم الدُّعَاء وَتلك منقبة لَا تساويها منقبة ورتبة تتقاصر عَنْهَا كل رُتْبَة وَعند ذَلِك يحصل لَهُم من السرُور مَا لَا يقادر قدره وَيَكُونُونَ عِنْد هَذِه الْإِجَابَة أعظم سُرُورًا بهَا من الْعَطِيَّة وَإِن بلغت أعظم مبلغ فِي الْكَثْرَة والنفاسة. وَعند ذَلِك يستكثرون من أَعمال الْخَيْر ويبالغون فِي تَحْصِيلهَا لأَنهم قد عرفُوا مَا لَهُم عِنْد رَبهم حَيْثُ أجَاب دعاءهم ولبى نداءهم.
وَأَيْضًا قد قدمنَا أَن الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة بل هُوَ مخ الْعِبَادَة فالإرشاد إِلَيْهِ إرشاد إِلَى عبَادَة جليلة تترتب عَلَيْهَا فَائِدَة جميلَة مَعَ مَا فِي ذَلِك من امْتِثَال الْأَمر الرباني حَيْثُ يَقُول: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} وَقَوله سُبْحَانَهُ: {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِلَى دعان} .
وَمَعَ مَا فِيهِ أَيْضا من خلوص عباده من الاستكبار على رَبهم الَّذِي ورد الْوَعيد عَلَيْهِ بقوله سُبْحَانَهُ {إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي} أَي دعائي كَمَا سبق بَيَانه.