أَن أَوْلِيَاء الله إِذا لم يجْعَلُوا كَلَامه وَكَلَام رَسُوله قدوتهم ويمشون على صراطها السوي لم يَصح لَهُم هَذَا الانتساب إِلَى الله عز وَجل. " وَكَيف يكون وليا [لله] سُبْحَانَهُ من يعرض عَمَّا شَرعه لِعِبَادِهِ ودعاهم إِلَيْهِ ويشتغل بزخارف الْأَحْوَال، وخواطر السوء ويؤثرها على كَلَام من هُوَ ولي لَهُ؟ ! فَإِن هَذَا هُوَ بالعدو أشبه مِنْهُ بالولي.
وَلَيْسَ الْكَلَام فِيمَن كَانَ حَاله هَذَا الْحَال، بل الْكَلَام فِيمَن يستكثر من أَنْوَاع الطَّاعَة الَّتِي رغب إِلَيْهَا الشَّرْع مُقَيّدا لكل موارده ومصادره بِالشَّرْعِ، فَإِن لهَذِهِ الطَّاعَات أثرا عَظِيما فِي صَلَاح بَاطِنه وَوُقُوع خواطره فِي الْغَالِب مُطَابقَة للصَّوَاب. وَكَيف لَا يكون هَكَذَا وَقد صَار محبوباً لله وَكَانَ سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يطبش بهَا وَرجله الَّتِي يمشي بهَا فبه يسمع وَبِه يبصر وَبِه يبطش وَبِه يمشي كَمَا وَقع فِي هَذَا الحَدِيث الْقُدسِي.
وَأي رُتْبَة أَعلَى من هَذِه وَأي مزية أكبر مِنْهَا؟ والمحب فِي بني آدم يُؤثر محبوبه على نَفسه ويقدمه عَلَيْهَا بأبلغ جهده وَغَايَة طاقته حَتَّى قَالَ بعض المحبين لمحبوبه شعرًا:
(وَلَو قلت طا فِي النَّار أعلم أَنه ... رضَا لَك أَو مدنٍ لنا من وصالك)
(لقربت رجْلي نَحْوهَا ووطيتها ... هدى مِنْك لي أَو ضلة من ضلالك)
(لَئِن سَاءَنِي أَن نلقى بمساءة ... لقد سرني أَنِّي خطرت ببالك)