فَلَيْسَتْ هَذِه الْقَضِيَّة الَّتِي ذكرهَا أَبُو الْقَاسِم كُلية كَمَا لَا يخفى على من يعرف شرائع الله سُبْحَانَهُ، وَمَا ندب عباده إِلَيْهِ فِي كتبه الْمنزلَة، وعَلى ألسن رسله الْمُرْسلَة. وَقد جَاءَ فِي السّنة أَن الْمُؤمن الَّذِي يخالط النَّاس ويصبر على أذاهم أحب إِلَى الله من الْمُؤمن الَّذِي لَا يخالطهم.
وَيُمكن حمل كَلَامه على الْبعد عَن الْخلق بإقبال قلبه على الله سُبْحَانَهُ، وَعدم الِاعْتِدَاد بِمَا سواهُ، وَأَنه وَإِن خالطهم بمظاهره فَهُوَ مَعَ الله بباطنه. وَهَذَا معنى حسن ورتبة علية.
وَأما قَوْله: " وباللطف والنصرة خَاص بالخواص " فَأَقُول: قد أخبرنَا الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه أَنه لطيف بعباده. وَهَذَا الْمَعْنى عَام لكل من يصدق عَلَيْهِ أَنه عبد الله من غير فرقة بَين عوامهم وخواصهم.
وَلَوْلَا مَا تفضل بِهِ على عباده من جرى ألطافه عَلَيْهِم لم يهتدوا إِلَى معاش وَلَا معاد وَلَا عمل دنيا، وَلَا عمل آخِرَة.
وَأما النُّصْرَة فقد وعد سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه بنصرة الْمُؤمنِينَ: {وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ} وينصر حزبه والمجاهدين فِي سَبيله.
فَمن كَانَ من الْمُؤمنِينَ أَو من الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله، وَإِن كَانَ فِي عمله تَخْلِيط وَفِي طَاعَته قُصُور فَهُوَ مِمَّن وعد الله سُبْحَانَهُ بنصرته.
قَوْله: " حَتَّى أحببته " فِي رِوَايَة الْكشميهني (حَتَّى أحبه) . قَالَ ابْن حجر فِي الْفَتْح: " ظَاهره أَن محبَّة الله تَعَالَى للْعَبد تقع بملازمة العَبْد التَّقَرُّب