قَوْله: " مَا تقرب إِلَيّ عَبدِي بِشَيْء أحب إِلَى مِمَّا افترضت عَلَيْهِ ". لفظ التَّقَرُّب الْمَنْسُوب إِلَى الله من عَبده يُفِيد أَنه وَقع ذَلِك على جِهَة الْإِخْلَاص. لِأَن من لم يخلص الْعِبَادَة لله سُبْحَانَهُ لَا يصدق عَلَيْهِ معنى التَّقَرُّب. وَهَكَذَا من فعل الْعِبَادَة المفترضة لخوف الْعقُوبَة فَإِنَّهُ لم يكن متقربا على الْوَجْه الأتم.
قَالَ ابْن حجر فِي الْفَتْح: " وَيدخل تَحت هَذَا اللَّفْظ جَمِيع فَرَائض الْعين والكفاية وَظَاهره [الِاخْتِصَاص] بِمَا ابْتَدَأَ الله تَعَالَى فريضته، وَفِي دُخُول مَا أوجبه الْمُكَلف على نَفسه نظر، للتَّقْيِيد بقول: افترضت عَلَيْهِ إِلَّا إِن أَخذ من جِهَة الْمَعْنى " انْتهى.
قلت: " إِن كَانَ مَا أوجبه العَبْد على نَفسه مِمَّا أوجب الله عَلَيْهِ الْوَفَاء بِهِ، فَهَذَا الْإِيجَاب هُوَ من فَرَائض الله سُبْحَانَهُ، وَحكمه حكم مَا أوجبه الله ابْتِدَاء على عباده. بل هَل فَرد من أفرادها لَا يحْتَاج إِلَى أدراجه تَحت معنى أَعم. قَالَ:
" وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن أَدَاء الْفَرَائِض أحب الْأَعْمَال إِلَى الله تَعَالَى ". انْتهى. قلت: وَجه ذَلِك أَن النكرَة وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي فَعم كل مَا يصدق عَلَيْهِ معنى الشَّيْء فَلَا يبْقى شَيْء من الْقرب إِلَّا وَهُوَ دَاخل فِي هَذَا الْعُمُوم، لِأَن كل قربَة