وَكَذَلِكَ كَون أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَمِين هَذِه الْأمة هُوَ لما اختصه الله سُبْحَانَهُ بِهِ من عظم الْأَمَانَة على الْأُمُور الَّتِي من أعظمها هَذَا الدّين القويم والشريعة الْمُبَارَكَة.
وَقد عرفت مَا قدمْنَاهُ من أَنا لَا نكلف الْمُقَلّد أَن يعرف نُصُوص الشَّرِيعَة حَتَّى يَقُول: لَا أقدر على ذَلِك وَلَا أستطيعه، بل قُلْنَا لَهُ دع هَذِه الْبِدْعَة الْحَادِثَة، وَكن كَمَا كَانَ المقصرون من الصَّحَابَة [وَالتَّابِعِينَ] الَّذين اشتغلوا عَن حفظ الْعلم، وَالْبُلُوغ إِلَى غَايَته بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة، من جِهَاد أَو عبَادَة. وَلَك بهم أُسْوَة وَفِيهِمْ لَك قدوة، فاسأل أهل الْعلم كَمَا أَمرك الله بسؤالهم بقوله: {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ}
واطلب مِنْهُم أَن يرووا لَك مَا جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَة فِي الْحَادِثَة الَّتِي احتجت إِلَى السُّؤَال عَنْهَا من عبَادَة أَو مُعَاملَة.
وكل عَالم يعلم وَإِن قلَّ علمه - أَنه لم يكن فيهم أحد منتسبا إِلَى أحد من كبار الصَّحَابَة الَّذين كَانُوا يروون للنَّاس الْعلم ويفتونهم بِهِ، كَمَا ينْسب بعد حُدُوث الْمذَاهب كل مقلد إِلَى من قَلّدهُ، بل كَانَ السَّائِل مِنْهُم يسْأَل من يلقاه من المشتهرين بِالْعلمِ مِنْهُم على كَيفَ مَا يتَّفق لَهُ وَيَأْخُذ مَا يرويهِ لَهُ، ويفتيه بِهِ، وَقد قدمنَا الْإِشَارَة إِلَى هَذَا.