80 - أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ مَالِكُ بْنُ نَصْرٍ الدَّالَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَعْشَى هَمْذَانَ الشَّاعِرَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَّا يُحَدِّثُ، قَالَ: خَرَجَ مَالِكُ بْنُ خُزَيْمٍ الْهَمْذَانِيُّ الشَّاعِرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ يُرِيدُونَ عُكَاظًا فَاصْطَادُوا ظَبْيًا فِي طَرِيقِهِمْ وَقَدْ أَصَابَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ، فَانْتَهَوْا إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: أُجَيْرَةُ، فَجَعَلُوا يَفْصِدُونَ دَمَ الظَّبْيِ وَيَشْرَبُونَهُ مِنَ الْعَطَشِ حَتَّى إِذَا نَفَذَ ذَبَحُوهُ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا فِي طَلَبِ الْحَطَبِ، وَنَامَ مَالِكٌ فِي الْخِبَاءِ، وَأَتَى شُجَاعٌ، فَانْسَابَ حَتَّى دَخَلَ بِحِمَى مَالِكٍ، فَأَقْبَلُوا، فَقَالُوا: يَا مَالِكُ، عِنْدَكَ الشُّجَاعُ فَاقْتُلْهُ فَاسْتَيْقَظَ مَالِكٌ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا كَفَفْتُمْ عَنْهُ "، فَكَفُّوا، وَانْسَابَ الْأَسْوَدُ، فَذَهَبَ، وَأَنْشَأَ مَالِكٌ يَقُولُ:

[البحر الوافر]

وَأَوْصَانِي الْخَزِيمُ بِعِزِّ جَارِي ... وَأَمْنَعُهُ وَلَيْسَ بِهِ امْتِنَاعُ

وَأَدْفَعُ ضَيْمَهُ، وَأَذُودُ عَنْهُ ... وَأَمْنَعُهُ إِذَا مُنِعَ الْمَتَاعَ

فِدًى لَكُمْ أَتَى عَنْهُ تَنَحَّوْا ... بِشَيْءٍ مَا اسْتَجَارَنِي الشُّجَاعُ

وَلَا تَتَحَمَّلُوا دَمَ مُسْتَجِيرٍ تَضْمَنُهُ أُجَيْرَةُ فَالتِّلَاعُ

فَإِنَّ لِمَا تَرَوْنَ عَلَيَّ أَمْرٌ ... لَهُ مِنْ دُونِ أَعْيُنِكُمْ قِنَاعُ

ثُمَّ ارْتَحَلُوا وَقَدْ أَجْهَدَهُمُ الْعَطَشُ، فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ بِهِمْ، وَيَقُولُ:

[البحر البسيط]

يَا أَيُّهَا الْقَوْمُ لَا مَاءَ أَمَامَكُمْ ... حَتَّى تَسُومُوا الْمَطَايَا يَوْمَهَا التَّعَبَا

-[77]-

ثُمَّ اعْدِلُوا شَامَةً فَالْمَاءُ عَنْ كَثَبٍ ... عَيْنٌ رَوِيُّ وَمَاءٌ يُذْهِبُ اللَّغَبَا

حَتَّى إِذَا مَا أَصَبْتُمْ فِيهِ لَيْلَتَكُمْ ... فَاسْقُوا الْمَطَايَا وَمِنْهُ فَامْلَئُوا الْقِرَبَا

قَالَ: فَعَدَلُوا شَامَةً، فَإِذَا هُمْ بِعَيْنٍ خَرَّارَةٍ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا إِبِلَهُمْ، وَحَمَلُوا مِنْهُ رَيَّهُمْ، فَأَتَوْا سُوقَ عُكَاظٍ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَانْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَإِذَا هَاتِفٌ:

يَا مَالُ عَنِّي جَزَاكَ اللَّهُ صَالِحَةً ... هَذَا وَدَاعٌ لَكُمْ مِنِّي وَتَسْلِيمُ

لَا تَزْهَدُوا فِي اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَحَدٍ ... إِنَّ الَّذِي حُرِمَ الْمَعْرُوفَ مَحْرُومُ

أَنَا الشُّجَاعُ الَّذِي أَنْجَيْتَ مِنْ رَهَقٍ ... شَكَرْتُ ذَلِكَ إِنَّ الشُّكْرَ مَقْسُومُ

مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يُعْدَمْ مَغَبَّتَهُ ... مَا عَاشَ وَالْكُفْرُ بَعْدَ الْغَبِّ مَذْمُومُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015