هب جدلاً أن الشيطان لا يتمثل بالخضر، فهل إذا جاء الخضر وقال لك: افعل كذا وكذا، هل يلزمك أن تفعل؟ بل لو أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءك في المنام حقيقة وكنت صادقاً في رؤيته، وكنا في اليوم الأخير أو قبل الأخير من شعبان، فجاءك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: غداً أول رمضان، هل يلزمك أن تصوم، هل يلزمك أنت أيها الراعي أن تفتي الأمة وتفتيها بهذه الرؤيا المنامية؟ أجمع العلماء على أن هذا لا يجوز؛ لأن العلم إنما يتحمل في اليقظة وليس في المنام، وأي رؤيا منامية لا يؤخذ منها أي حكم شرعي؛ إذ أن الدين قد تم، والذي رأى الرؤيا المنامية إن كان سيفتيك بشيء جاء به الشرع، فنقول له: دع رؤياك لنفسك وعندنا الدليل، وإن كان لم يأتِ به الشرع فأنت تزعم أن الشرع ناقص وهذه الرؤيا المنامية تكمل نقصان الشرع، وهذا تكذيب لله عز وجل إذ يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] فما مات النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد كمل الدين وتمت النعمة.
حتى لو جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأفتاك بشيء أو قال لك: بلغ هذا عني، فليس عليك أن تبلغ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قبل أن يموت بلغ كل شيء، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: (ما تركت شيئاً يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا أمرتكم به، وما تركت شيئاً يباعدكم عن الجنة ويقربكم من النار إلا نهيتكم عنه) .
فلو جاء الخضر فقال شيئاً فلا يلزم من هذه الرؤيا أي شيء من العلم.
نسأل الله عز وجل أن ينجينا من البدعة، وأن يقربنا من السنن، وأن يلهمنا رشدنا.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.