وما حلت سنة 1618 حتى كان جشع ليرما وإهماله، وإسراف الملك وحاشيته، وفساد الموظفين، وتمزق الاقتصاد بخروج المغاربة، قد هبط باسبانيا إلى درك نبه حتى هذا الملك الخامل إلى ضرورة التغيير. وفي فورة من فورات العزيمة طرد ليرما (1618)، ولكن ليقبل ابنه - الدوق أو سيداً - رئيساً لوزرائه. واعتزل ليرما في لباقة، وتقبل قبعة الكردينالية وعاش سبع سنين آخر رافلا في حلل لاتقوى والثراء. وفي عام 1621 أنذر مجلس قشتالة الملك بأن ملكه «في طريقه إلى الافلاس والدمار لفداحة الأعباء والضرائب والرسوم» (44)، وتوسل إليه أن يعتدل في نفقاته. فتقبل النصيحة ولكنه مضى يسلك مسلكاً ملكياً مترف الجهاز والصيانة. في هذه السنة بعينها مات مخلفاً لولده ملكاً عريضاً لا حول له ولا قوة، وحكومة فاسدة لا كفاية فيها، وشعباً هوى إلى درك الفاقة والتسول والسرقة، وطبقة استنكفت من أن تؤدي ضرائبها، وكنيسة خنقت فكر الشعب وحطمت ارادته وأحالت خرافاته أكداساً من الذهب.
1621 - 1665
خالف الولد أباه في كل شيء إلا الإسراف. ونحن نعرفه ظاهراً من الصور الكثيرة التي رسمها له فيلاسكويز، ففي متحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك يطالعنا وهو بعد في التاسعة عشرة (1624)، فتى وسيماً أشقر الشعر متفتحاً للحياة، وفي متحف الصور الأهلي بلندن نراه مرحاً واثقاً بنفسه في السابعة والعشرين، ثم بديناً وقوراً في الخمسين، وفي البرادو نراه في خمس مراحل بين البهاء والانحلال، كذلك نرى صورة في فلورنسة وتورين، وفينا، وسنسناتي - لا بد أن هذا الرجل أنفق نصف حياته في مرسم فيلاسكويز. ولكن هذه اللوحات لا تكشف إلا عن ملامحه الرسمية، فهو لم يكن في حقيقته بهذه الرزانة والكبرياء، وقد تكون اكثر انصافاً في تصوره إذا تأملنا أطفاله في لوحات في لوحات فيلاسكويز، وأغلب الظن أن أحبهم حباً يفوق العقل كما نحب أطفالنا. كان في صميمه رجلاً