وكان في وسع المرء في أية أمسية أن يسمع صوت الموسيقى تعزف في الزوارق (الجوندولا). ولو وطئت قدماه زورقا من هذه الزوارق السحرية ولم يفه باي توجيه للملاح، لمضى به دون كلام كثير إلى بيت مومس شريكة له. وقد دهش مونتيني لكثرة بنات الهوى البندقيات، وغلوهن في التحرر، وما هو بالرجل المتحيز، وكن يدفعن ضريبة للدولة، لقاء سماحها لهن بأن يسكن حيث شئن، ويلبسن ما يشتهين، ولقاء دفاعها عنهن ضد الزبائن الذين يأكلون حقوقهن (10).
واكتسبت "القناة الكبرى" وأفرعها مزيدا من الحسن عاما بعد عام بفضل ما قام على ضفافها من كنائس فخمة أو قصور جديدة مشرقة أو جسور رشيقة. ففي عام 1631 عهد مجلس الشيوخ إلى بالداساري لو نجينا ببناء كنيسة رائعة للعذراء "سانتاماريا ديللا سالوتي" وفاء بنذر لأنها ردت إلى أهل المدينة عافيتهم عقب طاعون كبير. وفي 1588 - 92 أقام انطونيو دا بونتي بدلا من الجسر الخشبي العتيق "جسر ريالتو" الجديد الذي امتد عبر القناة الكبرى في قوس واحد من الرخام طوله تسعون قدما، وقامت المتاجر على جناحيه. وحوالي عام 1600 بنى "جسر التنهدات" (بونتي دي سوسبيري) عاليا فوق قناة تجري بين قصر الدوج وسجن القديس مرقس- "فقصر على طرف وسجن على الطرف الآخر" (11). واتم سكاموتزي كنيسة بالاديو و "سان جورجو" ومكتبة فيكيا التي بدأت انسوفينو. وبنى سكاموتزي ولونجينا "البروكوراتي نوفي" (1582 - 1640) الملاصق لميدان القديس مرقس ليستخدم مكاتب جديدة لحكومة البندقية. وقامت الآن قصور شهيرة على ضفاف القناة الكبرى: بالبي، وكونتاريني ديلي سكريني، وموتشينجو، حيث عاش بايرون في 1818. والذين لم يروا البندقية سوى ظاهرها لا يستطيعون ابدا تصور ما في باطنها من بذخ- يجله الذوق الرفيع سائغا:
تلك السقوف ذات الرسوم الجصية أو الزخارف الغائرة، والجدران المزدانة بالصور أو قطع النسيج المرسوم، والمقاعد المكسوة بالساتان،