إنه لم يجد سبيلاً يبرر أن يكون العقل مفلساً، ويبرر ألا يكون "سليمان" (أي الحكيم) ملكاً.
إن بيكون لم يطل به الأمد حتى يبلغ الهدف، فان الملك جيمس الذي قدره حق قدره آخر الأمر عينه في 1607 مساعداً للنائب العام وفي 1613 نائباً عاماً، وفي 1616 عضواً في مجلس شورى الملك، وفي 1617 حاملاً للأختام، وفي 1618 قاضياً للقضاة. وخلعت عليه ألقاب كريمة جديدة لتزين مواهبه وقدراته: ففي 1618 عين بارون فيرولام الأول، وفي يناير 1621 فيكونت سانت ألبانز. ولما غادر جيمس إنجلترا إلى إسكتلندة، ترك قاضي قضاته ليحكم البلاد. "واستقبل بيكون سفراء يحف به الجلال والعظمة" وعاش في جورهامبري تحوطه الفخامة والأبهة "حتى بدا أن البلاط الملكي هنا (في قصر جورهامبري)، وليس قصر هويتهول أو في قصر سان جيمس (27) ".
لقد حظي بيكون بكل شيء إلا الشرف. ففي سعيه وراء المناصب كثيراً ما ضحى بالمبادئ، فاستغل نفوذه، كمساعد للنائب العام، لإصدار الأحكام القضائية على الصورة التي يرغب فيها الملك (28) ودافع، وهو حامل للأختام الملكية، عن أشد الاحتكارات تعسفاً وظلماً، وحماها وواضح أنه فعل هذا إبقاء على رضاء بكنجهام. وقبل، وهو قاض، هدايا ثمينة من المتقاضين أمام المحكمة. ولم يكن كل هذا إلا شيئاً من فساد هذا العصر ورخاوته، أن الموظفين العامين كانوا يتقاضون رواتب هزيلة، فعوضوا عنها "بالهدايا والعطايا" ممن يساعدونهم. واعترف جيمس قائلاً: إذا كان لا بد لي من معاقبة الرشوة، لما تركت واحداً من الرعايا". إن جيمس نفسه كان يقبل الرشوة (29).
وثارت ثائرة البرلمان الذي اجتمع في يناير 1621 ضد الملك-وكره بيكون، لأنه أكبر مدافع عنه، وأنه هو الذي قضى بشرعية الاحتكارات، وإذا لم يكن في مقدور البرلمان بعد أن يخلع الملك، فان في مقدوره تجريح وزيره ومساءلته. وفي فبراير عين لجنة لتقصي الحقائق في دور القضاء خاصة. وفي مدارس اللجنة تقريراً