برزت قدرة إليزابث على التمييز وحدة ذهنها، على الفور، في اختيار معاونيها. أنها مثل أبيها الذي كان يستعد دوماً للمعركة. وعلى الرغم من خطابها السياسي في هاتفيلد، اختارت رجالاً ليسوا من أصل عريق أو محتد كريم، ذلك أن معظم قدامى النبلاء كانوا من الكاثوليك، وحسب بعضهم أنهم أصلح منها لتولي العرش. فعينت وليم سيسل سكرتيراً ومستشاراً أولاها، وهو الذي أصبحت عبقريته في انتهاج سياسة حكيمة وفي ملاطفة وتدبر الأمور عاملاً بارزاً في نجاحها، إلى حد خيل معه إلى الذين لا يعرفون الملكة، أنه هو الملك. وكان جده من صغار الأعيان الميسورين، ثم أصبح سيداً من سادة الريف، وكان أبوه موظفاً في خزائن الملابس في قصر هنري الثامن وهيأ صداق أمه للأسرة ضيعة مناسبة. وترك وليم جامعة كمبردج دون الحصول على درجة جامعية، ودرس القانون في Gray's Inn ( أحد أجهزة العدل التي تمنح إجازة الاشتغال بالقانون في لندن). وقضى شبابه الداعر يعيث فساداً في مواخير لندن (5). ودخل مجلس العموم في سن الثالثة والعشرين (1543). وتزوج زوجته الثانية ملدرد كوك Mildred Cooke، وقد ساعدته بيوريتانيتها القاسية على التزامه المذهب البروتستانتي والتمسك به. وخدم الوصي "سومرست" ثم غريمه نورثمبرلند. وأيدليدي جين جراي لتخلف إدوارد السابع، ثم تحول في اللحظة الحاسمة إلى ماري تيودور، وأصبح كاثوليكياً مطيعاً بناء على اقتراح منها، وندبته للترحيب بمقدم الكاردينال بول إلى إنجلترا. وكان رجل عمل ومصلحة، لا يسمح لتقلباته اللاهوتية أن تخل بتوازنه السياسي، وعندما عينته إليزابث سكرتيراً لها تحدثت، بفطنتها المألوفة، إليه قائلة: -
" لقد عهدت إليك بهذه المهمة، وهي ان تكون من بين أعضاء مجلس شورى الملكة، وترتضي أن تبل أقصى الجهد من أجلي ومن أجل مملكتي، وإني لآنس فيك أنك لن تفسدك أية منحة أو هدية مهما يكن نوعها، وأنك ستكون مخلصاً للدولة، وأنك ستمحضني ما ترى أنه خير الرأي والنصيحة، دون اعتبار لإرادتي الخاصة،