المحاصرون أربعة أسابيع، وأخيراً غلبوا على أمرهم، وظل نوكس والآخرون يعملون عبيداً في السفن تسعة عشر شهراً. وليس لدينا إلا تفاصيل قليلة عن معاملتهم باستثناء ما ذكر من أنهم كانوا يدفعون لسماع القداس (ويقول لنا نوكس) أنه رفض بشدة، ولعل هذه الأيام المريرة، وأثر صوت الملاحظ على الأجسام ساهم في اشتداد نزوع نوكس إلى الكراهية وجنوح لسانه وقلمه إلى العنف في العبارة.
وعندما أطلق سراح الأسرى (فبراير سنة 1549) عمل نوكس قساً بروتستانتياً في إنجلترا براتب تقاضاه من حكومة سومرست. وكان يقوم بعظاته يوميا طوال الأسبوع "إذا سمحت له بذلك الجيفة الخبيثة". ونحن أبناء اليوم الذين لا ننعم كثيراً بالعظات ليس في مقدورنا إلا أن نتصور بصعوبة مدى إحساس الناس في القرن السادس عشر بالتعطش إليها. وقد ترك قساوسة الأبرشيات الوعظ للأساقفة الذين تركوه بدورهم للأخوان الرهبان وكانوا يقومون به بين آن وآخر. وأصبح الوعاظ في البروتستانتية بمثابة صحيفة يومية للأخبار والرأي، وكانوا يروون على المصلين أحداث الأسبوع أو أحداث اليوم، وكان الدين وقتذاك ممتزجاً بالحياة إلى الحد الذي جعل كل حدث تقريباً يمس العقيدة أو القائمين عليها ونددوا بنقائص رجال الأبرشية وأخطائهم ونبهوا الحكومة إلى واجباتها وأخطائها. وفي عام 1551 كان نوكس يعظ أمام إدوارد السادس ونورثمبرلان فتساءل كيف تأتى في الغالب الأعم لأنقى الأمراء أن يتخذوا مستشاريهم من أفسق الناس. وحاول الدوق أم يسكته بمنحه منصب أسقفية ولكنه فشل.
وكانت ماري التيودورية أشد خطورة عليه، ففر نوكس إلى دبيب وجنيف (1554) بعد شيء من التباطؤ الذي أملاه الحرص، وزكاه كالفن لدى جماعة تتحدث بالإنجليزية في فرانكفورت، ولكن مبادئه وملامحه كانت جد قاسية بالنسبة لمستمعيه، فطلب منه أن يرحل. وعاد إلى جنيف (1555)، ونحن نستطيع