قصه الحضاره (صفحة 8255)

وكان بعض رجال الدين متدينين كالناس، ولابد أنه كان هناك بعض القسس المخلصين للعقيدة- ولو أن أسماءهم قلما كانت تسمع وسط ضجيج الشر- يمكن أن ينشروا مثل هذا الورع الذائع أو يدعموه بين الناس. وكان لقسيس الأبرشية، حظية أو زوجة يعترف بها القانون العام. ولكن يبدوا أن الألمان الذين لا يخشون الإقدام قد اغتفروا هذا الصنيع باعتباره سلوكاً أفضل من التخالط الجنسي، ثم ألم يتمرد الباباوات أنفسهم في هذا العهد الذي شاعت فيه الشهوات على العزوبة؟ أما بالنسبة لرجال الدين النظاميين، وهم هؤلاء الذين تعرضوا للخضوع لنظام صارم في الدير، فإن كثيراً من طوائفهم شغلوا أنفسهم وقتذاك بالإصلاح الذاتي الجاد. وقد استقر رهبان البندكتين في شيء من رغد العيش بالدير ونعموا بالترف الدنيوي، واستمر فرسان التيوتون في انحلالهم الأخلاقي وقساوتهم العسكرية وأطماعهم الإقليمية، ولكن رهبان الدمينيكان والفرنشسكان والرهبان الأوغسطينين عادوا إلى التزام قواعدهم وقاموا بأعمال كثيرة في مجال البر العملي، وكان الزهاد الأوغسطينيون أشد الرهبان حماسة لهذا الإصلاح الديني، وكانوا في الأصل نساكاً أو رهباناً زاهدين ولكنهم تجمعوا فيما بعد طوائف وحافظوا في إخلاص واضح على عهودهم الرهبانية من تقشف وعفة وخضوع، وتعلموا إلى درجة تكفي لشغل كثير من كراسي الأستاذية في الجامعات الألمانية. وكانت تلك هي الطائفة التي اختار لوثر أن ينتمي إليها عندما قرر أن يصبح راهباً.

وكانت الشكاوى ضد رجال الدين الألمان موجهة أساساً إلى البطاركة بسبب ثرائهم وانغماسهم في النعيم الدنيوي. فقد كان بعض الأساقفة والرهبان أن يهيمنوا على اقتصاد مساحات كبيرة وصلت إلى حوزة الكنيسة وإدارتها، وكانوا سادة إقطاعيين متوجين أو مكللين، غير أنهم لم يكونوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015