الفصل الثالث
وكان الطب أكثر العلوم ازدهاراً لأن الناس يضحون بكل شيء ماعدا الحرص على صحة الأجسام؛ وكان الأطباء ينالون من الثروة الإيطالية الجديدة قسطا موفورا مشجعا؛ فقد كانت بدوا مثلا تؤدى لواحد منهم ألفي دوقة في العام ليكون مستشارا طبيا لها، وتركته في الوقت نفسه حرا يتقاضى ما يشاء من الأجور في عمله الخاص. وكان بترارك الذي يعيش من مرتباته يندد أشد التنديد بأجور الأطباء العالية وبأثوابهم القرمزية وقلانسهم المصنوعة من فرو السنجاب (16). وخواتمهم البراقة ومهاميزهم الذهبية. وقد حذر بجد وحرارة البابا المريض كلمنت السادس من الوثوق بالأطباء فقال:
"أعرف أن الأطباء يحاصرون فراش مرضك، وطبيعي أن يملأ هذا قلبي خوفاً عليك. ذلك أن آراءهم متضاربة على الدوام؛ وأن من لا يجد منهم جديدا ينطق به يجلله عار التخلف عن غيره من الأطباء. وهم ينجرون بحياتنا لكي تذيع شهرتهم بما يستحدثون من جديد كما يقول بلني Plini. وحسب الواحد منهم أن يقول إنه طبيب لكي يؤمن الناس بكل كلمة يقولها، وليس هذا شأن الحرف الأخرى، مع أن كذبة الطبيب يكمن فيها من الأخطار ما لا يكمن في كذبة غيره. وهم يتعلمون مهنتهم على حسابنا، وحتى موتنا يهيأ لهم أسباب الخبرة، فالطبيب وحده من حقه أن يقتل الناس دون أن يخشى عقابا؛ ألا أيها الآب يا أرحم الراحمين! انظر إلى عصبتهم نظرتك إلى جيش من الأعداء، وأذكر القبرية المحذرة التي نقشها رجل بائس على شاهد قبره: "لقد مت من كثرة الأطباء! " (17).