قصه الحضاره (صفحة 7182)

العام الذي يحدثه التمثال فيمن ينظر إليه يقطع لسان كل ناقد! فالهيكل الرائع، الذي لم يضخمه ميكل أنجيلو كما ضخم التماثيل التي نحتها لأبطاله المتأخرين، وبنية الجسم المصقول، والمعارف القوية الرقيقة رغم هذه القوة، والخياشيم المتوترة من الاهتياج، والتجهم المنبعث من الغضب، ومظهر العزيمة المشوبة بشيء من الحياء حين يواجه الشاب جالوت الرهيب ويستعد لملء مقلاعه والقذف به - كل هذه أشياء تجعل داود أشهر تمثال في العالم كله إذا استثنينا من ذلك تمثالاً واحداً لا غير (?). ويرى فاساري أنه "يفوق كل ما عداه من التماثيل قديمها وحديثها لاتينية كانت أو يونانية" (31).

وأدت لجنة الكنيسة إلى ميكل أنجيلو أربعمائة فلورين أجراً لتمثال داود وإذا أدخلنا في اعتبارنا انخفاض النقد فيما بين عامي 1400 و 1500 جاز لنا أن نقدر هذا المبلغ بما يقرب من 5000 دولار حسب قيمة النقد في عام 1952. ويبدو أن هذا أجر قليل لعمل دام ثلاثين شهراً، ونحن نظن أنه قام في خلال تلك المدة بمهام أخرى. والحق أن المجلس ونقابة الحرف قد استخدماه أثناء عمله في نحت تمثال داود في نحت تماثيل أخرى، يبلغ ارتفاع الواجد منها ست أقدام ونصف قدم، للرسل الاثني عشر كي توضع في الكتدرائية. وقد أمهل اثنتي عشرة سنة للقيام بهذا العمل، واتفق على أن يُؤدّى له فلورينان كل شهر، وأن يبني له بيت يقيم فيه من غير أجر. ولم يبق من هذه التماثيل الأخيرة إلاّ تمثال الرسول متي الذي لا يظهر إلاّ نصفه من الكتلة الحجرية كأنه تمثال من عمل Rodin. وإذا نظرنا إليه في مجمع فلورنسي العلمي أدركنا أحسن من ذي قبل ما كان يعنيه ميكل أنجيلو حين عرَّف النحت بأنه الفن "الذي يعمل بقوة الانتزاع"،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015