لنشر الموسيقى والآداب، ويفتحون بيوتهم ومكتباتهم للدارسين المجدين، والمغنين، والعلماء، وكانت الأديرة، والكنائس، والأسر تجمع الكتب، فكان للكردينال دمنيكو جريماني منها ثمانية آلاف أهداها فيما بعد إلى البندقية، وحذا حذوه في ذلك الكردينال يساربون فأهدى إليها مجموعة مخطوطاته الثمينة. وأرادت الحكومة أن تحفظ هذه الكنوز والبقية الباقية مما أهداه بترارك إلى المدينة فأمرت مرتين بتشييد دار كتب عامة، ولكن الحرب وغيرها من المشاغل وقفت في سبيل هذا المشروع، فلما كان عام 1536 كلف مجلس الشيوخ آخر الأمر ياقوبو ساسوفينو Jacopo Sansovino أن يشيد مكتبة فتشيا Libreria Vecia وهي من الناحية المعمارية أجمل بناء للمكتبات في أوربا.
وكان الطابعون البنادقة في تلك الأيام يخرجون أجمل الكتب المطبوعة في ذلك العصر، بل لعلها أجملها في كل العصور، ولم يكونوا هم أول من قام بهذا العمل في أوربا، فقد أنشأ اسوينهايم Sweynheim وبناردز Pannartz، وكانا في وقت ما مساعدين لجوهان فست Johann Fust في مينز، وأول مطبعة إيطالية في دير للرهبان البندكتيين في سبياكو بجبال الأبنين (1464)، ثم نقلا آلاتهما إلى روما في عام 1467 ونشرا فيها ثلاثة وعشرين كتاباً خلال الثلاث السنين التالية. وبدأت الطباعة في البندقية وميلان في عام 1469 أو قبلها، فلما كان عام 1471 افتتح برناردو تشينيني رضي الله عنهernardo Cennini داراً للطباعة في فلورنس، فأحزن فتحها بوليتيان الذي قال في أسف وحسرة إن ((أسخف الأفكار يمكن نقلها في ساعة من الزمان إلى آلاف المجلدات ونشرها في خارج البلاد)) (43). وأخذ النساخون الذين تعطلوا ينددون عبثاً بالاختراع الجديد، وقبل أن يختتم القرن الخامس عشر تم طبع 4987 كتاباً في إيطاليا: منها 300 في فلورنس، و 629 في ميلان، و 925 في روما، و 2835 في البندقية (44).