الفصل الثاني
كانت أحوال البندقية في عام 1378 قد انحطت إلى الدرك الأسفل: كان أسطول جنوى المنتصر يعترض تجارتها في البحر الأدرياوي، وكان جنود جنوى وبدوا يسدون عليها الاتصال بينها وبين القارة من جهة البر، ويكاد أهلها يموتون جوعاً، وحكومتها تفكر في الاستسلام. فلما مضى نصف قرن من ذلك الوقت كانت تحكم بدوا، وفيتشندسا، وفيرونا، وبريشيا، وبرجامو، وتريفيزو، وبيلونو، وفلتري، وفريولي، وإستريا، وساحل دلماشيا، وليبانتو، وبتراس، وكورنثة. وبدت وهي آمنة في قلعتها ذات الخنادق الكثيرة كأنها بمنجاة من تصاريف الأقدار السياسية التي كانت تجري في أراضي شبه الجزيرة الإيطالية؛ وظلت ثروتها وقوتها تسموان حتى تربعت كالملكة المتوجة على رأس إيطاليا. ولقد وصفها فليب ده كومين Philippe de Comine بعد أن وصل إليها سفيراً لفرنسا في عام 1495 بقوله أنها ((أعظم مدينة ظافرة شهدتها في حياتي)) (1). ووصف بيترو كاسولي Pietro Casole الذي جاءها من ميلان حوالي ذلك الوقت عينه فقال: هذه المجموعة الفذة المكونة من 117 جزيرة، و150 قناة، و400 جسر يشرف عليها كلها الطريق الكبير طريق القناة العظمى الجارية الذي وصفه الرحالة كومينيز Comines بأنه ((أجمل شوارع العالم على الإطلاق)) وأضاف أنه ((عجز عن وصف ما حوته من جمال، وفخامة وثراء)).
ترى من أين جاءت هذه الثروة التي كانت مصدر هذه الفخامة؟