قصصه المرحة، وينذره، إذا لم يعجل بالتوبة ويصلح حاله، بالموت العاجل والعذاب المقيم في نار جهنم. ولم يكن بوكاتشيو في وقت من الأوقات يصبر على التفكير الطويل، وكان يقبل أوهام زمانه وما يؤمن به أهله من معرفة الطالع والتنبؤ بالمستقبل عن طريق الأحلام، ويؤمن بوجود آلاف الشياطين، ويعتقد أن أينياس صلى الله عليه وسلمeneas قد زار الجحيم بحق) 56).
وأخذ يجمع بتحريض بترارك المخطوطات القديمة، وأنقذ من النسيان الكتب من 11 إلى 16 من الحوليات والكتب من 1 إلى 5 من التواريخ لتاستس وكانت وقتئذ في مكتبة مونتي كاتشيو، وأعاد نصوص ماريتال وأوسنيوس، وحاول أن يقدم هوميروس إلى العالم الغربي. وكان بعض العلماء في أثناء عصر الإيمان قد ظلوا على علم باللغة اليونانية، أما في أيام بوكاتشيو فقد كادت هذه اللغة تختفي اختفاء تاما من غربي أوربا ما عدا جنوبي إيطاليا الذي كان وقتئذ نصف يوناني. ثم شرع بترارك في عام 1342 يدرس اللغة اليونانية على راهب من كلابريا Calabria يدعى بارلام رضي الله عنهarlaam. ولما خلت إحدى اسقفبات كلابريا من راعيها أوصى بترارك بأن يختار لها بارلام، وأخذ بوصيته، فلما سافر الراهب إلى مقر عمله انقطع بترارك عن دراسة اللغة اليونانية لأنه لم يجد لها مدرسا، أو كتابا في النحو، أو معجما، ذلك بأن هذه الكتب لم يكن لها وجود باللغة اللاتينية أو الإيطالية. ثم التقى بوكاتشيو في عام 1359 بتلميذ لبارلام في ميلان يدعى ليون بيلاتس Leon Pilatus، فدعاه للمجيء إلى فلورنس، وأقنع جامعتها- وكانت قد أسست قبل أحد عشر عاما من ذلك الوقت، بأن تنشئ فيها لبيلاتس كرسيا للغة اليونانية. وتبرع بترارك بجزء من مرتب الأستاذ، وبعث بنسخ من الإلياذة والأوديسية إلى بوكاتشيو، وكلف بيلاتس بترجمتها إلى اللغة اللاتينية. وتعطل العمل مرة بعد مرة وورط بترارك في مراسلات متعبة، وكان يشكو من أن رسائل بيلاتس أطول وأجف من ذقنه نفسها على طولها وجفافها (57)، ولم يتحرك بيلاتس لإنجاز العمل