فكان يفخر بنسبة لأنه كان فقيراً، ويحتقر رجال الطبقة الوسطى من أهل فلورنس الذين يجرون وراء المال؛ ولم يكن في وسعه أن يغفر لبرتناري زواج بياتريس من مصرفي؛ وسلك طريق الانتقام الوحيدة التي وجدها أمامه فوضع أمامه المرابين في الدرك الأسفل من النار. ولم يكن ينسى قط أذى أو إهانة وما أقل من سلم من أعداءه من سموم قلمه. وكان يرى أن الذين يبقون على الحياد في الثورات أو الحروب أقل نفعاً في نظره منهم في نظر سولون. وكان منبع صفاته الخلقية كلها هو الشدة الملتهبة: "لم أكن ما أنا بفضل ثرائي بل بفضل الله عليَّ، وإن غيرتي على بيته لتشعل النار في قلبي" (29).
وقد افرغ في قصيدته كل ما وهبه الله من قوة، ولم يكن أن يستطيع أن يعيش بعد تمامها زمناً طويلاً. ففي عام 1319 غادر فيرونا وسافر إلى رافنا ليعيش فيها مع الكونت جيدو دا بولنتا Count Guido da Polenta، ثم تلقى دعوة من بولونيا للقدوم إليها لكي يتوج فيها شاعراً لبلاطها، ورفض الدعوة بأنشودة رعوية كتبها باللغة اللاتينية. وفي عام 1321 أرسله جيدو إلى مدينة البندقية في بعثة سياسية كان نصيبها الإخفاق، وعاد دانتي من هذه البعثة مريضاً بحمى أصابته من مستنقعات فينيتو Veneto. ولم يستطع جسمه الضعيف مقاومة المرض، فقضى عليه في 14 سبتمبر سنة 1321 وهو في السابعة والخمسين من عمره. واعتزم الكونت أن يقيم شاهداً على قبر الشاعر، ولكن شيئاً من هذا لم يتم، أما النقش القليل البروز القائم فوق التابوت الرخامي في هذه الأيام فقد نحته بيترو لمباردو عام 1483، والعالم كله يعرف أن بيرون جاء إليه وبكى، والقبر في هذه الأيام لا يكاد يبدو للناظر، يجده الإنسان في أحد الأركان وهو قادم من أكثر ميادين رافنا ازدحاماً بالأعمال، وإذا ما قدمت إلى حارسه المقعد الطاعن في السن بضع ليرات أنشدك بعض قطع جميلة طنانة من القصيدة التي يمتدحها الناس جميعاً ولا يقرؤها منهم إلاّ القليلون.