الفصل الثاني
وكيف كانت تكتب هذه اللغات المختلفة؟ لقد أستعمل البرابرة بعد أن سقطت روما في أيديهم عام 476 الحروف الهجائية اللاتينية، وكتبوها كتابة "جارية"، ربطوا فيها الحروف بعضها ببعض، وخلعوا على معظمها شكلاً دائرياً بدل الحروف المعتدلة التي كانت سهلة الاستعمال في الكتابة على السطوح الصلبة كالحجارة أو الخشب. وكانت الكنيسة في تلك القرون تفضل الكتابة ذات الحروف "الكبيرة" لتسهل بذلك قراءة كتب القداس وكتب الصلوات. ولما عمل النساخون في عهد شارلمان على حفظ الآداب اللاتينية بنسخ عدة كتب من الآداب القديمة، استخدموا في عملهم هذا كتابة ذات حروف "صغيرة" واتفقوا على صور معينة لهذه الحروف، فأوجدوا بذلك "الحروف الصغيرة المقررة" التي ظلت أربعة قرون الطريقة العادية التي تكتب بها نسخ العصور الوسطى. وكأنما أريد أن تتمشى هذه الحروف مع الزخارف الخصيبة التي أخذت تنمو في العمارة القوطية فأضيفت إليها شرط تزيينها، وخطوط شَعْرية رفيعة، وزوائد معقوفة، فأصبحت هي الحروف "القوطية" التي ظلت منتشرة في أوربا إلى عهد النهضة، وفي ألمانيا حتى يومنا هذا. ولم توضع علامات الترقيم إلا في عدد قليل جداً من مخطوطات العصور الوسطى؛ لأن هذه الوسيلة التي ترشد القارئ إلى حيث يلتقط نَفسَه قد ضاقت في أثناء الغوص التي صحبت غارات البرابرة، ثم عادت إلى الظهور في القرن الثالث عشر، ولكنها لم يعم استعمالها حتى قررتها الطباعة في القرن الخامس عشر. وكانت الطباعة قد أعدت عدتها إلى حد ما في عام 1147 وبعد ذلك باستعمال القطع الخشبية. وبدأ ذلك في أديرة