وكان رب البيت عادة يسلي المدعوين بعد الوليمة بضروب من الشعوذة، والشقلبة، والغناء، والتهريج. وكان لبعض سادة الإقطاع طائفة خاصة بهم من هؤلاء المسلين وكان لبعض الأغنياء مازحون في وسعهم أن يوجهوا وقاحتهم المرحة وفكاهاتهم البذيئة دون أن يخشوا عقاباً أو تأنيباً. وإذا أراد المدعوون أن يقوموا هم بتسلية أنفسهم كان في وسعهم أن يرووا القصص، أو يستمعوا إلى الموسيقى أو يعزفونها، أو يرقصوا، أو يتغازلوا، أو يلعبوا النرد والشطرنج، والألعاب الداخلية الأخرى، وحتى الأشراف أصحاب الألقاب من الرجال والنساء كانوا يتراهنون ويلعبون الغميضاء. ولم تكن ألعاب الورق قد عرفت بعد، وقد حرمت القوانين الفرنسية الصادرة في عام 1256 و1291 صنع النرد أو لعبه، ولكن لعب الميسر بالنرد كان واسع الانتشار رغم هذا التحريم، وكان رجال الأخلاق يتحدثون عن ثروات فقدت ونفوس ضلت نتيجة للعب الميسر. ولم يكن هذا اللعب محرماً على الدوام بمقتضى القانون، وكانت سيينا Saiena تهيئ له أمكنة في الميدان العام (121)، وقد حرم بأمر من مجلس عقد في باريس (1213) وبمرسوم أصدره لويس التاسع (1254)، ولكن أحداً لم يهتم بهذا التحريم: وأضحت هذه اللعبة من ضروب التسلية التي ينهمك فيها الأشراف ويقضون فيها أوقاتاً طويلا، وهي التي اشتق منها اسم خازن بيت مال الملك exchequer من المنضدة أو لوحة الشطرنج المختلفة الألوان Chequered table أو Chessboard التي كان إيراد الدولة يعد عليها (122). وقد ذهل أهل فلورنس في أيام دانتي من لاعب مسلم كان يلعب على ثلاث لوحات مختلفة في وقت واحد مع أمهر لاعبي المدينة، فقد كان ينظر بعينيه إلى إحدى اللوحات، ويحتفظ بوضع اللوحتين الأخريين في عقله، وقد كسب لعبتين وتعادل مع اللاعب الثالث (123). وكانت لعبة الداما معروفة في فرنسا وإنجلترا، وتسمى في الأولى dames وفي الثانية draughts.