يقبض على زمام الحكم، ويعيد إلى اليهود سلطانهم الدنيوي، ويجعل الصعاليك المملقين الحاكمين بأمرهم في العالم كله. وكان إشعيا وعاموس هما اللذين بدآ في عصر الحروب يمجدان فضائل البساطة والرحمة والتعاون بين الناس والإخاء، وهي الفضائل التي جعلها عيسى أساساً جوهرياً لدينه. وكانا أول من اضطلع بذلك العبء الثقيل عبء تحويل رب الجنود إلى إله حب وهما اللذان جندا يهوه واستعاناه على نشر المبادئ الإنسانية، كما جند المسيح متطرفو الاشتراكيين في القرن التاسع عشر ليستعيناه على نشر المبادئ الاشتراكية. وهما اللذين بثا في عقول الألمان- بعد أن طبعت التوراة في أوربا- الإيمان بمسيحية جديدة وأوقدا شعلة الإصلاح الديني، وكانت فضائلهم القوية غير المتسامحة هي التي أخرجت طائفة المتطهرين المسيحيين. وكانت فلسفتهم الأخلاقية تقوم على نظرية أجدر من غيرها بالتسجيل- وهي أن الطيب سوف يوفق وينجح، وأن الخبيث سوف يصرع؛ وقد تكون هذه نظرية مخادعة، ولكن ما فيها من خداع- إن كان فيها خداع- هو خداع العقل النبيل. ولئن كان هؤلاء الأنبياء لا يتصورون الحرية أو يفكرون فيها، فإنهم كانوا يحبون العدالة ويدعون إلى القضاء على ما كان يضعه الأسباط من قيود على الأخلاق الطيبة. ولقد أقاموا أمام البائسين في العالم أملاً في التآخي، كان تراثاً غالياً، ظلوا يتوارثونه على مدى الأجيال (?).