وقبل أن يحل عام 1200 كان في باريس نحو مائة ألف، وفي كل من دويه، وليل، وإيبر، وغنت، وبروج نحو خمسين ألفاً؛ وكان في لندن عشرون ألفاً. وقبل أن يحل عام 1300 كان في باريس 150. 000 ألفاً، وفي البندقية، وميلان، وفلورنس مائة ألف (109)، وفي سينا Siene ومودينا 30. 000 (110)، وفي لوبك، ونورمبرج، وكولوني 20. 000، وفي فرانكفورت، وبال، وهمبرج، ونوروك، ويورك 10. 000. وغني عن البيان أن هذه الأرقام تقريبية وأنها عرضة إلى الخطأ الكبير.
وكان ازدياد السكان نتيجة من نتائج التطور الاقتصادي وسبباً من أسبابه في آن واحد: فأما أنه نتيجة من نتائج هذا التطور فلأن الناس أصبحوا يأمنون على أنفسهم وأموالهم أكثر من ذي قبل، وأنهم صاروا أقدر مما كانوا على استغلال مصادر الثروة الطبيعية بفضل تقدم الصناعة، وأن الأطعمة والسلع قد زاد انتشارها بفضل رواج التجارة وازدياد الثروة. وأما أنه كان سبباً من أسبابه فلأنه أوجد أسواقاً مطردة الاتساع للتجارة والصناعة، للأدب، والتمثيل، والموسيقى، والفن، وكان تنافس الحكومات المحلية وتفاخرها سبباً في توجيه ثروتها إلى بنا الكنائس، وأبهاء المدن، وأبراج النواقيس، والفساقي، والمدارس، والجامعات؛ وعبرت الحضارة البحار والجبال في إثر التجارة؛ فانتقلت من بلاد الإسلام وبيزنطية إلى إيطاليا، وأسبانيا، وتخطت جبال الألب إلى ألمانيا، وفرنسا، وفلاندرز، وبريطانيا. وأصبحت العصور المظلمة إحدى الذكريات الماضية، وتمخضت أوربا مرة أخرى عن حياة فنية نشيطة.
وليس من حقنا أن ندعي أن مدينة العصور الوسطى هي الأمثل الأعلى لما يجب أن تكون عليه المدن. نعم إنها تبدو للناس في هذه الأيام في صورة جميلة، يتوج تَلاًّ فيها قصر منيع، ويحيط بها سور ذو أبراج، فيها بيوت وأكواخ، وحوانيت ذات سقف من القش أو القرميد تزدحم حول الكنيسة أو القصر الحصين