وحتى قصة موسى نفسها يجب ألا نتعجل فنرفضها من غير بحث وتحقيق، وإن كان من العجيب حقا أنه لم يرد له ذكر على لسان عاموس أو إشعيا، وهما اللذان سبقت خطبهما تأليف أسفار موسى الخمسة بنحو قرن من الزمان (?).
ولما سار موسى باليهود إلى جبل سيناء، لم يكن في سيره هذا إلا متبعاً نفس الطريق الذي كانت تسلكه البعثات المصرية التي تبحث عن الفيروز منذ ألف عام. وتبدو الآن قصة الأربعين عاماً التي تاهوا فيها في الصحراء، والتي كان يظن من قبل أنها قصة غير معقولة، تبدو الآن من الأمور التي يقبلها العقل، لأنها تصف مسير قوم من البدو الذين كانوا طوال عهدهم قوماً رحلاً، كما أن هزيمتهم للكنعانيين ليست إلا مثلاً آخر لانقضاض جموع جياع على جماعة مستقرين آمنين. وقتل المهاجمون من الكنعانيين أكثر من استطاعوا قتلهم منهم وسبوا من بقي من نسائهم، وجرت دماء القتلى أنهاراً، وكان هذا القتل كما تقول نصوص الكتاب المقدس "فريضة الشريعة التي أمر بها الرب موسى".