أربعين عاماً لا أكثر، ولم يأتوا ليفتحوا ويقيموا، بل جاءوا ليقتلوا، وينهبوا ويحملون ما يسلبون إلى منغوليا. ولما ارتد تيار فتوحهم الدموي خلف وراءه اقتصاداً مضطرباً، وقنوات للري مطمورة، ومدارس ودوراً للكتب رماداً تذروه الرياح، وحكومات منقسمة على نفسها، معدمة، ضعيفة، لا تقوى على حكم البلاد، وسكاناً هلك نصفهم، وتحطمت نفوسهم. واجتمع الانغماس الأبيقوري في الملذات، والهزال الجسمي والعقلي، وخور العزيمة والعجز الحربي، والانقسام الديني والالتجاء إلى المراسم الغامضة الخفية، والفساد السياسي والفوضى الشاملة، اجتمعت هذه العوامل كلها وائتلفت لتحطيم كل شيء في الدولة قبل الغزو الخارجي. لقد كان هذا كله-لا تبدّل المناخ-هو الذي بدل آسية الغربية من زعامتها على العالم فقراً مدقعاً، وخراباً شاملاً. وأحل محل مئات المدن العامرة المثقفة في الشام، وأرض الجزيرة، وفارس، والقفقاس، والتركستان ما تعانيه في الوقت الحاضر من فقر، ومرض، وركود (?).