قصه الحضاره (صفحة 4840)

طفيل هذا يمتدحه بما لا يستحقه من المديح ... وبدأ الأمير حديثه بأن سأل الفيلسوف عن رأيه في السموات، هل هي أزلية أو أن لها بداية؟ فارتاع الفيلسوف لذلك اضطرب، وأخذ يتلمس المعاذير للفرار من الإجابة. وأدرك الأمير ما هو فيه من اضطراب فالتفت إلى ابن طفيل وأخذ يتحدث إليه في الموضوع، ويعيد على مسامعه آراء أفلاطون وأرسطو وغيرهما من الفلاسفة، وما لفقهاء المسلمين عليها من اعتراض؛ ولا يرجع في شيء هذا إلا إلى ذاكرته مما لم يكن يظن أن له نظيراً حتى بين من كانت الفلسفة مهنته. وطمأن الأمير الفيلسوف وامتن علمه، ولما انصرف من حضرته بعث إليه بشيء من المال، وبجواد، وحلة غالية الثمن (98). وعين ابن رشد في عام 1169 قاضياً للقضاة في إشبيلية وفي عام 1172 قاضياً للقضاة في قرطبة، ثم استدعاه أبو يعقوب إلى مراكش بعد عشر سنين من ذلك الوقت ليكون طبيبه الخاص، وظل يشغل هذا المنصب حتى ورث الخلافة يعقوب المنصور. وفي عام 1194 نفي ابن رشد إلى أليسانة القريبة من قرطبة لغضب الشعب عليه بسبب آرائه. ثم عفي عنه وعاد إلى مراكش في عام 1198 ولكن المنية عاجلته في العام التالي، ولا يزال قبره حتى الآن قائماً في تلك المدينة.

وكاد كتابه في الطب ينسى بسبب شهرته الواسعة في الفلسفة، ولكنه كان في الحقيقة من أعظم أطباء زمانه، فقد كان أول من شرح وظيفة شبكية العين، وقال إن من يمرض بالجدري يكتسب الحصانة من هذا الداء (99). وكانت موسوعته الطبية المسماة كتاب الكليات في الطب بعد أن ترجمت إلى اللغة اللاتينية واسعة الانتشار في الجامعات المسيحية. وأبدى الأمير أبو يعقوب في ذلك الوقت رغبته في أن يكتب له أحد العلماء شرحاً واضحاً لآراء أرسطو، وأشار ابن طفيل أن يعهد هذا العمل إلى ابن رشد. ورحب الفيلسوف بهذا الاقتراح، لأنه كان يرى أن الفلسفة كلها قد اجتمعت في آراء الفيلسوف اليوناني، وأن كل ما تحتاجه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015