قصه الحضاره (صفحة 4793)

كان الظاهر بيبرس مملوكاً تركياً؛ رفعه دهاؤه وبسالته إلى منصب القيادة في الجيش المصري، وكان هو الذي هزم لويس التاسع في عام 1250، والذي حارب بعد عشر سنين من ذلك الوقت ببسالة ومهارة منقطعة النظير تحت قيادة قطز في معركة عين جالوت. ثم قتل قطز وهو عائد إلى القاهرة ونادى بنفسه سلطاناً على مصر، وكان من الطريف أن يتقبل لنفسهِ الاحتفال الذي أعدته المدينة للضحية المنتصر. واشتبك الظاهر في عدة حروب مع الصليبيين كللت كلها بالنصر، ومن أجلها تضعه الروايات الإسلامية في المرتبة الثانية بعد هارون الرشيد وصلاح الدين، ويصفه مؤرخ مسيحي معاصر له بقولهِ: "إنه كان في السلم معتدلاً، عفيفاً، عادلاً بين شعبهِ، رحيماً برعاياه المسيحيين أنفسهم". وقد أحسن تنظيم حكومة مصر إلى درجة تثبت دعائم حكم خلفائه رغم ما اتصف به من عجز؛ فاحتفظوا بهذا الملك حتى غلبهم الأتراك العثمانيون في عام 1517. وقد أنشأ لمصر جيشاً وأسطولاً قويين، وطهر مرافئها، وأصلح طرقها، وقنوات ريها، وشاد المسجد المسمى باسمه في القاهرة.

وخلع مملوك تركي آخر ابن الظاهر بيبرس، وأصبح هذا المملوك السلطان المنصور سيف الدين قلاون (1279 - 1290)، وأهم ما اشتهر به في التاريخ هو البيمارستان الذي أنشأه في القاهرة، والذي خصص له مليوناً من الدراهم (ما يعادل 500. 000 ريال أمريكي) في العام ورُفع ابنه الناصر إلى العرش ثلاث مرات، ولكنه لم يخلع إلا مرتين، وبني قنوات لجر ماء الشرب إلى العاصمة، وأنشأ حمامات عامة، ومدارس، وأديرة، وثلاثين مسجداً، واحتفر قناة تصل الإسكندرية بالنيل سخر في حفرها مائة ألف عامل، وضرب المثل في بذخ المماليك، إذ نحر عشرين ألفاً من الذبائح في الاحتفال بزواج ولده. ولما سافر الناصر في رحلة خلال الصحراء حمل على ظهر أربعين بعيراً حديقة من الخضر بطينها الخصيب ليستمد منها حاجاته كل يوم (9). وأقفرت خزانة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015