شمال إفريقية أن خضع للمسلمين حتى شاطئ المحيط الأطلنطي. واقتنع البربر- بشروطهم هم أنفسهم تقريباً- بقبول حكم المسلمين، ولم يلبثوا أن اعتنقوا الدين الإسلامي، وقسمت أملاك المسلمين في إفريقية إدارياً إلى ثلاث ولايات: ومص وعاصمتها الفسطاط، وإفريقية وعاصمتها القيروان، والمغرب (مراكش) وعاصمتها فاس.
وظلت هذه الولايات نفسها قرناً من الزمان تعترف بالسيادة لخلفاء المشرق؛ ولكن انتقال مقر الخلافة إلى بغداد زاد من صعاب الاتصال والنقل، فأخذت الولايات الإفريقية تتحول واحدة بعد الأخرى إلى ممالك مستقلة. فقامت أسرة الأدارسة في فاس (974)، وأسرة بني الأغلب (800 - 909) تحكم القيروان، وقامت الأسرة الطولونية (869 - 905) في مصر. ولم تعد مصر-نهباً للحكام الأجانب، ودخلت في نهضة صغرى جديدة. وفتح أحمد بن طولون عام (869 - 884) بلاد الشام وضمها إلى مصر، وبنى له عاصمة جديدة تدعى القطائع (ضاحية من ضواحي الفسطاط) وشجع العلوم والفنون، وشاد القصور، والحمامات العامة، وأنشأ بيمارستاناً، ومسجداً عظيماً لا يزال حتى اليوم ناطقاً بفضلهِ: وقلب ابنه خماريه (884 - 895) هذا النشاط إلى ترف، ورصع جدران قصره بالذهب، وفرض على شعب مصر الضرائب الباهظة لينشئ لنفسهِ بركة من الزئبق ليتأرجح بلطف على فراشهِ المصنوع من الجلد المنفوخ حتى يغلبه النوم. وخَلَفت الأسرة الطولونية بعد أن حكمت أربعين عاماً أسرة تركية أنشأها الإخشيد (935 - 969). ولم تكن لهذه المماليك الإفريقية جذور تمتد إلى دماء الشعب أو تقاليده، ولهذا كان لا بد لها أن تقيم حكمها على القوة والزعامة الحربيتين، فلما أضعفت الثروة حماستها العسكرية ذابت قوّتها واختفت من الوجود.
وأيدت أعظم الأسر الحاكمة الإفريقية سيادتها الحربية بعقيدة دينية تكاد