وهارون تنهار، أقيمت في مكانها قصور أخرى. وقد أنفق المعتمد على قصره المعروف "بقصر المعروف" (892) 400. 000 دينار (أي ما يقرب من 1. 900. 000 ريال أمريكي). وفي وسعنا أن نتصور سعة هذا القصر إذا ذكرنا أنه كان في اسطبلاته 9000 من الإبل والبغال (92). وشاد المكتفي بجواره " قصر التاج" (902)؛ وكان هذا القصر هو وحدائقه يمتد على رقعة من الأرض مساحتها تسعة أميال مربعة. وشاد المقتدر "بهو الشجرة" وكان سبب تسميته بهذا الاسم أنه كان في البركة الموجودة بحديقته شجرة من الفضة والذهب، على أوراقها وأغصانها الفضية تجثم طيور من الفضة، تنطق ألسنتها بأناشيد آلية. وبز سلاطين آل بويه جميع أولئك الخلفاء فأنفقوا 13. 000. 000 درهم في بناء قصر المعزية. وهكذا تعددت القصور وزادت فخامة، حيى إذا استقبل المقتدر في عام 917 سفراء اليونان بهرتهم قصور الخليفة ودواوين حكومته البالغ عددها ثلاثة وعشرين قصراً، وإيواناتها ذا العمد الرخامية، وما بسط على أرضها وجدرانها من طنافس وأقمشة مزركشة كبيرة يخطئها الحصر تكاد تغطي كل مكان في الأرض والجدران، وعشرات المئات من السياس ذوي الحلل البراقة. وسروج الخيول الفضية ذات الأغطية المطرزة بخيوط الذهب والفضة، وما في الحدائق الواسعة المختلفة أنواع الحيوان البري والأليف، وما للخلفاء من قوارب لا تقل عن القصور أبهة وفخامة تجري في نهر دجلة وتنتظر أهواء الخليفة.
وكانت الطبقات العليا تعيش في وسط هذا النعيم عيشة الترف، واللهو، والقلق، والدسائس. فكان رجالها يذهبون إلى الميدان ليشاهدوا سباق الخيل أو لعب الجحفة، ويحتسون الخمر المعتقة المحرمة، ويأكلون الطعام المبتاع من أقاصي البلاد بأغلى الأثمان، ويرتدون هم ونساؤهم أثواب الحرير المختلف الألوان المطرز بخيوط الفضة والذهب، ويعطرون ثيابهم، وشعرهم، ولحاهم، ويستنشقون رائحة العنبر والكندر، ويزينون رؤوسهم، وآذانهم، ورقابهم، ومعاصمهم،