قصه الحضاره (صفحة 4458)

ويبدو أن هذه النقوش المنحوتة في الصخر كانت ملونة، شأنها في ذلك شأن الكثير من زينات القصور، ولكن هذه الألوان لم يبق منها إلا آثار قليلة. بيد أن أدب الفرس لا يترك مجالاً للشك في أن فن التصوير قد ازدهر في عصر الساسانيين؛ ويقول الكتاب إن النبي ماني أنشأ مدرسة للتصوير؛ ويحدثنا الفردوسي عن كبار رجال الفرس الذين يزينون قصورهم بصور الأبطال الإيرانيين (54)، ويصف الشاعر البحتري ما كان على جدران قصر المدائن من صور ملونة (55). وكان من عاداتهم أنه إذا مات ملك من ملوك الساسانيين استُدعي أعظم مصور في زمانه لرسم صورة له تضم إلى مجموعة الصور المحفوظة في الخزانة الملكية (56).

واشتركت في فنون التصوير، والنحت، والخزف وغيرها من فنون الزينة مع فن المنسوجات الساسانية في نقوسها؛ فقد كانت الأقمشة الحريرية، والمطرزات، والمنسوجات والموشاة، والدقمس المشجر، والأنسجة المزركشة المعلقة على الجدران، وأغطية الكراسي، والسردقات، والخيام، والطنافس، كانت هذه كلها تنسج بمنتهى الصبر والمهارة، وتصبغ بصبغات ساخنة صفراء، وزرقاء، وخضراء. وكان كل فارسي، عدا الفلاح والكاهن، يأمل أن يلبس أحسن مما تمكنه طبقته من لبسه، وكثيراً ما كانت الهدايا تتخذ شكل أثواب فخمة، وكانت الطنافس الزاهية الألوان من مستلزمات الثراء في الشرق من أيام الآشوريين الأقدمين. وقطع النسيج الساسانية التي تزيد على العشرين قطعة، والتي هي كل ما نجا من عوادي الدهر، هي أغلى قطع النسيج الباقية في العالم في هذه الأيام. ولقد كان العالم القديم كله من مصر إلى اليابان حتى في عصر المنسوجات الساسانية يعجب بها ويسعى لمحاكاتها؛ وكانت هذه المنسوجات الوثنية في أيام الحروب الصليبية تفضل على غيرها من المنسوجات لتلف بها مخلفات القديسين المسيحيين. ولما أن استولى هرقل على قصر كسرى أبرويز في دستجرد كان من أثمن غنائمه أقمشة مطرزة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015