الأسوار بوابل من السهام وقذائف المنجنيقات، وبوابل آخر من ألفاظ السخرية الوقحة التي اشتهرت بها هذه المدينة في كافة أنحاء العالم (46). واستشاط المليك غضباً فهجم على المدينة واستولى عليها عنوة، ونهب كنوزها، وأحرق جميع مبانيها عدا كنيستها الكبرى، وذبح عدداً كبيراً من أهلها، وساق من بقي منهم ليعمروا "إنطاكية" أخرى في بلاد الفرس، ثم نزل مبتهجاً ليستحم في البحر المتوسط الذي كان في وقت من الأوقات حد دولة الفرس الغربي. وأرسل - جستنيان قائده بليساريوس لينقذ بلاده، ولكن كسرى عبر الفرات على مهل مثقلاً بالغنائم، وفضل القائد الحصيف ألا يتبعه (541). وما من شك في أن انتهاء الحروب التي قامت بين الفرس والرومان إلى نهاية غير حاسمة إنما يرجع بعضه إلى تعذر إقامة حامية قوية على ناحية العدو من الصحراء السورية أو جبال طوروس، وإن كان ما أدخل حديثاً من تحسين على وسائل النقل والاتصال قد جعل الحروب الكبيرة في أمثال تلك الأصفاع مستطاعة في هذه الأيام. وقام كسرى بعدئذ بثلاث غزوات على آسية الرومانية زحف فيها على تلك البلاد زحفاً سريعاً، وحاصر عدداً من مدنها، وأخذ منها الفداء والأسرى، ونهب ريفها، ثم ارتد عنها في أمان (542 - 543) وأدى له جستنيان عام 542 ألفي رطل من الذهب (نحو 840. 000 دولار أمريكي) ثمناً لهدنة تدوم خمسة أعوام على أن يؤدي إليه بعد انتهائها 2600 رطل أخرى نظير امتدادها خمسة أعوام جديدة وبعد أن دامت الحرب بين العاهلين الطاعنين في السن جيلاً من الزمان تعهد آخر الأمر (562) بأن يحتفظا بالسلم خمسين عاماً، وتعهد جستنيان بأن يؤدي للفرس ثلاثين قطعة من الذهب في كل عام (7. 500. 000 دولار أمريكي)، ونزل كسرى عن حقه في جميع الأقاليم المتنازع عليها في بلاد القوقاز والبحر الأسود.
ولكن كسرى لم يفرغ بهذا من حروبه كلها. فقد أرسل حوالي عام 570 بناء على طلب الحميريين المقيمين في الجنوب الغربي من جزيرة العرب جيشاً من